تعكف الإدارة الأميركية برئاسة جو بايدن ونائبته كامالا هاريس، على إعداد رؤية مُحددة لمرحلة ما بعد انتهاء الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، وتحديد أهداف واضحة، بعد الكثير من الجدل الذي أثارته تصريحاته من واشنطن وتل أبيب بشأن الجهة التي ستتولى إدارة القطاع حال نجاح القوات الإسرائيلية في هدفها بتدمير القدرات العسكرية والسياسية لحركة حماس.
أحدث تلك التحركات، ما كشفت عنه وسائل إعلام إسرائيلية بزيارة وفد أميركي رفيع المستوى إلى إسرائيل في وقت لاحق، الإثنين، لعقد اجتماعات مع نظرائهم الإسرائيليين لمناقشة التخطيط لغزة ما بعد الحرب.
ويعتقد مراقبون، في حديثهم لـ"سكاي نيوز عربية"، أن واشنطن تسعى لتوافق إقليمي بشأن "اليوم التالي لانتهاء الحرب"، حيث عرضت نائبة الرئيس الأميركي مع قادة عرب رؤية واشنطن، في حين سيبحث وفد تقوده الموقف ذاته في إسرائيل، في خضم البحث عن عدم توسيع الصراع "أكثر من اللازم"، مع التأكيد على استبعاد احتلال الجيش الإسرائيلي للقطاع.
تفاصيل التحرك الأميركي
من المقرر أن يرأس وفد الإدارة الأميركية إلى تل أبيب، فيل جوردون، مستشار الأمن القومي لنائبة الرئيس كامالا هاريس، الذي كان معها لعقد اجتماعات مع القادة العرب بشأن هذا الأمر خلال زيارتها إلى دبي للمشاركة في COP28، على أن ينضم إليه إيلان غولدنبرغ، مستشار هاريس في الشرق الأوسط، إلى جانب عدد من المستشارين الآخرين.
ووفق صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، سيلتقي الوفد الأميركي في وقت لاحق اليوم، مع رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي، ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمير.
كما أشار موقع "والا الإخباري"، إلى أن الوفد الأميركي سيلتقي كذلك مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في الضفة الغربية.
وقال الموقع إن الولايات المتحدة تضغط من جانبها من أجل قوة دولية للمساعدة في إدارة غزة مؤقتًا بعد الحرب، مما يمهد الطريق لسلطة فلسطينية "فعالة" للعودة إلى حكم القطاع، بينما رفضت الحكومة الإسرائيلية عودة السلطة الفلسطينية لحكم غزة.
وبالتوازي، أجرت هاريس اتصالًا مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والذي أكد بدوره رفض أي مخططات لفصل أو احتلال أو عزل أي جزء من غزة، أو أي تهجير قسري لسكانها أو لسكان الضفة الغربية المحتلة.
وأكد الرئيس الفلسطيني الاستعداد للعمل من أجل تنفيذ حل الدولتين المستند إلى قرارات الشرعية الدولية، من أجل توفير الضمانات الدولية والجدول الزمني للتنفيذ، وتولي كامل المسؤولية عن كامل الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية "بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة".
رؤية هاريس
طرحت كامالا هاريس، السبت، خلال مشاركتها في مؤتمر كوب 28، أهداف إدارتها الرئيسية بعد انتهاء حرب إسرائيل على غزة، إذ أكدت على ضرورة إعادة توحيد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية تحت كيان حاكم واحد.
ووفق بيان للبيت الأبيض، فإن هاريس ناقشت مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي "أفكاراً بشأن التخطيط لمرحلة ما بعد الصراع في غزة تشمل جهود إعادة الإعمار والأمن والحكم".
وحدد البيت الأبيض الرؤية الأميركية لمرحلة ما بعد الحرب في عدد من النقاط، تشمل:
- هناك خمسة مبادئ تحكم النهج الأميركي حاليًا: لا تهجير قسري للشعب الفلسطيني، لا إعادة احتلال لغزة، لا حصار، لا تقليص في الأراضي، لا استخدام غزة كمنصة للإرهاب.
- نريد أن نرى غزة والضفة الغربية موحدتين تحت السلطة الفلسطينية، ويجب أن تكون الأصوات والتطلعات الفلسطينية في قلب هذا العمل.
- عند نقطة معينة، سينتهي القتال العنيف وسنبدأ في تنفيذ خططنا لليوم التالي، ومن أجل تطوير هذه الخطط، سنواصل العمل مع كل من الإسرائيليين والفلسطينيين.
- "عندما ينتهي هذا الصراع، لن تستطيع حماس السيطرة على غزة، ويجب أن تكون إسرائيل آمنة".
اقترحت هاريس في مباحثاتها ثلاثة مجالات للتركيز:
- أولا: إعادة إعمار البنية التحتية الحيوية في غزة، إذ يجب على المجتمع الدولي أن يخصص موارد كبيرة لدعم التعافي على المديين القصير والطويل في غزة، على سبيل المثال، إعادة بناء المستشفيات والمساكن، واستعادة الكهرباء والمياه النظيفة، وضمان إعادة فتح المخابز وإعادة تخزينها.
- ثانيا: الأمن، حيث يجب تعزيز قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية لتتولى في نهاية المطاف المسؤوليات الأمنية في غزة، وحتى ذلك الحين، يجب أن تكون هناك ترتيبات أمنية مقبولة لدى إسرائيل وشعب غزة والسلطة الفلسطينية والشركاء الدوليين، وللتأكيد مجددا فلن يُسمح لـ"الإرهابيين" بمواصلة تهديد إسرائيل.
- ثالثا: صيغة الحكم، حيث يجب إعادة تفعيل دور السلطة الفلسطينية، مدفوعة بإرادة الشعب الفلسطيني، التي ستسمح له بالاستفادة من سيادة القانون وحكومة تتسم بالشفافية.
رؤية صعبة
وفي رأي، مدير مركز التحليل العسكري والسياسي في معهد هدسون، ريتشارد وايتز، فإن التنبؤ بالجهة التي ستُدير قطاع غزة، حال مضي الحكومة الإسرائيلية في هدفها بتدمير قدرات حماس "يبدو صعباً".
وأوضح "وايتز" في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، أنه "إذا رفضت إسرائيل ودول عربية إدارة غزة، مع استمرار عدم قبول حكم حماس، ولم تًبد أي دولة أجنبية استعدادها لإرسال قواتها الخاصة كقوات حفظ سلام هناك، فإن أفضل وضع هو تولي السلطة الفلسطينية إدارة القطاع، إذا تمكنت من الحصول على الدعم الكافي".
وعلى هذا المنوال، تقول الخبيرة الأميركية المختصة في الشؤون الأمنية والاستراتيجية إيرينا تسوكرمان لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن خطة الولايات المتحدة تتمثل في الضغط من أجل المضي قدما في "حل الدولتين"، ومع ذلك، لا يوجد نقاش حاسم واضح حول ما إذا كانت السلطة الفلسطينية ستتولى إدارة غزة، وما إذا كان سيتم إعادة توحيد الأراضي التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية وغزة بطريقة ما، أو ما إذا كانت الإدارة تفكر في تشكيل حكومة وحدة جديدة.
وشددت تسوكرمان على أن "تل أبيب لا يمكنها احتلال أو ضم دائم لقطاع غزة، لسبب بسيط هو أنه لا يمكن تحمل ذلك ماليا وسياسيا، وسيتحول الأمر إلى مشكلة أمنية دائمة أسوأ من السيطرة على غزة قبل عام 2005".
وشددت على أنه يتعين على إسرائيل "القيام بما يبدو مستحيلا الآن" والعمل على عدة جبهات في وقت واحد، بالضغط من أجل التحركات السياسية التي تُكمل الحملة العسكرية، وإلا فإن "خسارة سياسية طويلة الأمد" ستواجههم.