أثار احتجاز جماعة الحوثي، سفينة شحن جنوبي البحر الأحمر، اعتقادًا بأنها "إسرائيلية"، الكثير من المخاوف بشأن التداعيات المُرتقبة على حركة التجارة والملاحة الدولية، في الوقت الذي قال مراقبون إن "الأضرار ستطال الجميع".

وفي الوقت الذي أفاد الحوثيون بأنهم خطفوا "سفينة شحن إسرائيلية" في البحر الأحمر، واقتادوها إلى السواحل اليمنية، نفى الجيش الاسرائيلي أن تكون السفينة إسرائيلية، واصفًا الحادث بأنه "خطير للغاية وذو عواقب عالمية".

والسفينة محل الاهتمام هي "غالاكسي ليدر"، مملوكة لشركة "راي كار كاريرز" ومقرها جزيرة مان، وهي وحدة تابعة لشركة "راي شيبينغ" المسجلة في تل أبيب، ويشار إلى كونها مرتبطة برجل الأعمال الإسرائيلي رامي أونغر.

وجاء اختطاف السفينة في سياق سلسلة هجمات يشنها حوثيون على جنوب إسرائيل ردًا على الحرب التي تشنها إسرائيل على حركة حماس في قطاع غزة.

جماعة الحوثي تنشر فيديو اختطاف سفينة بالبحر الأحمر

 وحدد ثلاثة متخصصين في شأن الاقتصاد العالمي وأسواق النفط، في حديثهم لموقع "سكاي نيوز عربية"، التداعيات المترتبة على التهديد الحوثي باستهداف السفن الإسرائيلية العابرة للبحر الأحمر، محددين إياها إجمالًا في:

  • التأثير على أسعار النفط، وتوقع زيادتها حال استمرار هذه الهجمات، حيث ستعرقل التوترات في مياه البحر الأحمر عبور الناقلات النفطية إلى مختلف دول العالم وهو ما سيؤثر على الإمدادات في موسم الشتاء، الأكثر استهلاكا وحاجة للطاقة.
  • ارتفاع تكلفة التأمين على الشحن واللوجستيات عالمياً، مع اعتبار أن أهم مسار للسفن في العالم أصبح غير آمن.
  • التأثير على إيرادات قناة السويس المصرية، مع تحويل شركات الشحن مساراتها بعيدا عن البحر الأحمر وبالتالي قناة السويس، تجنبا لعمليات قرصنة أو هجمات مبنية على اعتقاد بارتباط هذه السفن بشكل مباشر أو غير مباشر بشركات أو رجال أعمال إسرائيليين أو يهود.
  • زيادة مسافة الطرق البحرية البديلة يعني استهلاك اكثر للوقود وزيادة مدة الشحن، وهو ما سينعكس مباشرة على زيادة أسعار السلع وبالتالي رفع معدلات التضخم عالمياً.

أخبار ذات صلة

كيف يؤثر تصاعد التهديدات في البحر الأحمر على الأمن البحري؟

 "بوابة الدموع"

وفي تصريحات لـ"سكاي نيوز عربية"، قال الزميل غير المقيم في مركز الطاقة العالمي التابع للمجلس الأطلسي، والخبير الاقتصادي الأميركي، بول سوليفان، إن "باب المندب يسمى أيضًا ببوابة الدموع، وإذا حوله الحوثيون وغيرهم إلى منطقة حرب، فسيكون لاسمه معنى أكبر".

وحدد "سوليفان" تبعات هذه الهجمات والتأثيرات المتوقعة، قائلاً:

  • يمر النفط والغاز الطبيعي المسال والعديد من المنتجات الأخرى المتجهة إلى أوروبا من الخليج العربي عبر باب المندب، وبالتالي ستتأثر بهذه التهديدات.
  • غالبا ما تمر التجارة من أوروبا إلى آسيا عبر هذه النقطة، كما تحتاج شتى السفن ومنها الحربية إلى قناة السويس للانتقال من الشرق إلى الغرب ذهاباً وإياباً، وعلى وقع هذه الحوادث سيتم إعاقة حركة المرور في قناة السويس بسبب التهديدات القادمة من باب المندب.
  • نحتاج جميعاً إلى إلقاء نظرة على خريطة نقاط الاختناق البحري الرئيسية التي يمكن ربطها بباب المندب، مثل قناة السويس، وكذلك مضيق هرمز، وملقا وغيرها.
  • المشاكل في باب المندب يمكن أن تنشر الحرب بشكل أكبر، والعالم لا يحتاج ذلك في كل الأوقات وخاصة في هذا التوقيت.
  • النفط والغاز الطبيعي المسال وغيرها من المنتجات البترولية قد ترتفع أسعارها، وبناء على ذلك سيتم زيادة أسعار باقي المنتجات المرتبطة بالصناعات البترولية، أو غيرها كنتيجة لزيادة تكاليف الشحن، وستتأثر الدول النامية والإفريقية بصورة أكبر.
  • قد يعتقد الحوثيون أن بإمكانهم الاستيلاء على السفن وتمويل عملياتهم بأنفسهم، وهذا من الناحية السياسية يمكن أن يفسد أي فرص للسلام في اليمن، وسيكون الأمر "كابوساً"، خاصة أن ما فعلوه قد يحفز أطراف أخرى لتكراره.
  • الأمر له بعد بيئي أيضاً، فعلى سبيل المثال إذا جرى استهداف ناقلة نفط وإلحاق الضرر بها سنكون أمام "كارثة بيئية" نخشاها جميعا قبالة سواحل اليمن.
البحر الأحمر.. ساحة صراع مشتعلة

 تداعيات مباشرة

بدوره، قال الخبير المتخصص في قطاع النفط والغاز ومؤسس شركة "فيروسي" لإدارة الاستثمارات والاستشارات المالية ومقرها هولندا، سيريل ويدرسهوفن، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن تداعيات التهديدات في البحر الأحمر "واضحة ومباشرة"، فالأمن البحري بات تحت مخاوف واسعة من الشركات والدول على حد سواء، حيث برزت بشكل واضح فيما يتعلق بشركات التأمين وتكاليف التجارة البحرية.

وأضاف ويدرسهوفن أن خطر تهديد الحوثيين باستهداف كل السفن المباشرة لإسرائيل أو التابعة لها في مجال التجارة، سيضع كل قطاع الشحن تحت الضغط لأن باب المندب أمر بالغ الأهمية، ويجب الحفاظ على أمنه بكل الوسائل.

في الوقت نفسه، يعتقد الخبير المتخصص في قطاع النفط والغاز، أن خطر التصعيد الواضح لن يؤثر على إسرائيل وحدها، بل على الأرجح سيطال دولا بالمنطقة وستحتاج إلى "اتخاذ إجراء".

وقال إنه "إذا تصاعدت تلك التهديدات بشكل حقيقي وتم إغلاق باب المندب، فسيتم حظر التجارة بين آسيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا. هذا ليس فقط لتجارة الطاقة بل هو أكثر أهمية بالنسبة للحاويات والمعادن وغيرها من التجارة".

ويتخوف "ويدرسهوفن" من مواجهة عسكرية واسعة النطاق في البحر الأحمر، بدخول أطراف أخرى على خط الصراع، وخاصة الموقف من إيران.

إلى ذلك، نفت الخارجية الإيرانية، مزاعم إسرائيلية بتورط طهران في احتجاز الحوثيين سفينة الشحن، قائلة إن "حركات المقاومة في المنطقة تتصرف بشكل مستقل ومن تلقاء نفسها بناء على مصالحها ومصالح شعوبها".

وأوضح أنه في كل الأحوال سيكون لهذه التهديدات تداعيات لعدة أشهر على مستوى العالم.

قناة السويس
من القاهرة، أشار أستاذ الاقتصاد بالاكاديمية العربية للنقل البحري، علي الإدريسي، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، إلى أن هناك تأثيرات وتحديات جديدة تُضاف إلى التجارة العالمية جراء التهديدات في منطقة البحر الأحمر.

ويرى الإدريسي أنه في القلب من هذه التأثيرات ما يتعلق بإيرادات قناة السويس، التي بالطبع ستتأثر بما يحدث، وهو مصدر مهم ورئيسي للعملة الأجنبية تعتمد عليه مصر، كما أنها أهم مجرى ملاحي على مستوى العالم.

كانت إيرادات قناة السويس بلغت 9.4 مليار دولار في عام 2022-2023، في حين توقعت السلطات المصرية زيادة الإيرادات الكلية من حركة الملاحة في القناة إلى 10.3 مليار دولار بنهاية العام الجاري.

الحوثيون يعلنون احتجاز سفينة إسرائيلية

 وأضاف الإدريسي أن "تلك التهديدات تؤثر على حركة التجارة العالمية بشكل عام، لأنها تجاوزت مفهوم التهديدات ولم تعد مؤقتة، إذ خرجت جماعي الحوثي للتأكيد أن هناك مزيد من الهجمات خلال الفترة المقبلة".

وبحسب أستاذ الاقتصاد المصري، فإن تلك التهديدات قد تدفع الكثير من السفن إلى اتخاذ طرق بديلة لقناة السويس، كرأس الرجاء الصالح، ومن ثم سيزيد من تكلفة الشحن ومدة وصولها إلى وجهتها النهائية، ويزداد الأمر صعوبة ليس على مصر فقط ولكن على دول المنطقة التي تعتمد في إيراداتها على حركة الملاحة، إضافة للتأثير على الواردات بكثير من الدول.

وأشار إلى أن هذا الوضع يؤدي لزيادة تكلفة الشحن واللوجيستيات، وارتفاع قيمة التأمين لأن هناك مخاطر على حركة الملاحة، وفي النهاية ينعكس ذلك بمزيد من الارتفاعات على أسعار السلع وتباعا معدلات التضخم العالمي التي باتت في أزمة كبيرة منذ سنوات نتيجة جائحة كورونا ثم الحرب الروسية-الأوكرانية، لتضيف الحرب في غزة عبئا جديداً.