على وقع استمرار الحرب الإٍسرائيلية على غزة، وفشل كل النداءات لفرض هدنة إنسانية، يكثر الحديث والجدل حول ثنائية متعلقة "بالقانون الدولي وازدواجية المعايير الدولية"، فكيف وأين تقف واشنطن كحليف أساسي لإسرائيل من الثنائية هذه، مقارنة بصراعات وحروب سبقتها؟.
في غزة تفوح رائحة الموت من كل مكان، يهرول عداد الموت بسرعة جنونية لا تعترف بضوابط كمية ولا كيفية، وهذا ليس توصيفا انفعاليا عاطفيا، بل واقع ملموس بمقتضى توثيق دولي.
واقع عبر عنه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش بقوله "الكابوس المستمر في غزة هو انهيار للإنسانية.. العملية الإسرائيلية العسكرية والقصف يستهدفان المدنيين والمستشفيات ومخيمات اللاجئين والمساجد والكنائس، لا أحد في مأمن. فغزة تحولت إلى مقبرة للأطفال، الذين يقتلون بوتيرة لم يشهدها أي صراع منذ أكثر من ثلاثة عقود".
وقد اختار الرئيس الأميركي جو بايدن عبارات منتقاة بتحفظ وحذر كبرين للتعبير عن هذا الواقع، حيث قال: "أنا لم أتردد في التعبير عن قلقي بشأن ما يحدث وآمل أنه سيكون هناك إجراءات أقل تدخلا فيما يتعلق بالمستشفيات".
فيما ذهب مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، في انحيازه للجانب الإسرائيلي في هذا الصدد إلى أبعد بكثير من ذلك، حيث قال ردا على سؤال صحفي متعلق بحدود الانتقام الذي ستسمح الولايات المتحدة باستمرار صوره في غزة، مفصحا عن الآتي: "هذا ليس انتقاما.. إسرائيل تقف وتدافع عن نفسها لضمان السلامة والسلام للشعب الإسرائيلي".
ازدواجية المعايير
ويشار أنه من المنصة ذاتها، وقبل ما يناهز العام، سئلت الإدراة الأميركية عن الحرب في أوكرانيا، فكان جواب جيك سوليفان شافيا ووافيا "نحن نراقب ما يحدث ونجمع الأدلة ومن خلال ذلك توصلنا إلى القول إن جرائم حرب ارتكبت في أوكرانيا، والرئيس بايدن كان أول من أشار إلى أن الرئيس بوتين مجرم حرب وموقفنا مبني على الحقائق".
وهو موقف سانده الرئيس الأميركي جو بايدن مارس 2023 بشدة بقوله "نعم وبشكل واضح جدا، هناك جرائم حرب ارتكبت في أوكرانيا".
لكن في سطور حرب أخرى.. الحرب في غزة، تضمحل الرؤى الواضحة والمواقف الحاسمة المنصفة وتصبح العبارات الرمادية حينا والمنحازة أحيانا كثيرة سيدة الموقف، ويتوه القانون الدولي بين المصالح والمحاصصات وترتدى الحقيقة قناع المعايير المزدوجة.
وهنا يقول الرئيس الأميركي: "ليست لدي أي فكرة أن الفلسطينيين يقولون الحقيقة حول عدد القتلى.. أنا متأكد من أن هناك أبرياء قتلوا وهذا هو ثمن الحرب.. أعتقد أنه يجب علينا أن نكون حذرين.. وأعتقد أنه على إسرائيل الآن أن تكون حذرة جدا".
شمس الحقيقة الساطعة
وبين حسابات الأمس القريب، والواقع الجاري اليوم، حقائق جديدة تطفو على السطح لم ترحم عميد الخارجية الأميركية ووزير دفاع واشنطن في عقر دارهما، على وقع احتجاج لنشطاء لطخوا أياديهم بطلاء أحمر وقاطعوا إفادات المسؤولين على طاولة الإدلاء بالشهادة في مجلس الشيوخ.
مغالطات ومواقف انحيازية، تعيد للذاكرة ما كان بالأمس القريب، حيث جاءت تصريحات متحاملة لوزير الخارجية الأميركي تشير بإصبع الإتهام لروسيا، حيث قال "على مدار أكثر من عام ونصف مزقت روسيا المبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي واستهزأت بقرارات مجلس الأمن الواحد تلو الآخر".
عبارات تحفز الذاكرة وتجعلنا نستحصر صورة السفير الإسرائيلي جلعاد أردان وهو يمزق التقرير الأممي بشأن انتهاكات إسرائيل- أكتوبر 2021، تحت قبة دولية أين مزقت إسرائيل تقريرا أمميا بشأن انتهاكاتها للقانون الدولي الإنساني، وقال وقتها جلعاد أردان وهو يعدم التقرير "هذا التقرير لا يجب أن يكون له مكان لدى أي شخص معني بحقوق الإنسان بالأمن أو بالسلام، مكانه الوحيد هو في سلة المهملات الخاصة بمعاداة السامية وهذه الطريقة التي سنتعامل بها معه".
مشهد تغافلت عنه واشنطن، لكن لم يسقط من جعبة التاريخ، حيث تسأل المتحدثة باسم بنود القانون الدولي ذاته بعد هجوم حماس في السابع من أكتوبر، وزير الخاريجية الأميركي، قائلة: "أنا هنا لأن الولايات المتحدة تؤمن بدور الأمم المتحدة وقراراتها.. يجب علينا أن نسأل اليوم أين هو التنديد الدولي؟".
سؤال مفتوح أجوف، يتوه في رياح الضياع التى تحمل بنود ومطالبات القانون الدولي الإنساني واستحقاقاته في مهب الدخان المتصاعد من الأرض في غزة، فتختنق رسالته النبيلة على وقع صور الدمار ونزيف أرقام الموت المخيفة والمتصاعدة في صفوف المدنيين في غزة ويتواصل ذر الرماد في العيون.
لكن رقصة القانون الدولي على جثث الضحايا اليوم لن تدوم للأبد، ولا مفر للقانون الدولي من سؤال التاريخ له يوما ما.. ماهي معاييرك وأين حدود وكم كيلا كلت به دماء الأبرياء؟.