منذ يومين لم تطأ قدم التلميذ أحمد عتبة مؤسسته التعليمية بمدينة الدار البيضاء (وسط المغرب)، والسبب دخول أساتذة التعليم العمومي في إضراب عن العمل، احتجاجا على النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية.
تقول زينب والدة أحمد: "الحبل يشتد بين الأساتذة والوزارة وأبناءنا هم الضحايا، فبدل أن يتواجد التلميذ في الفصل الدراسي يضطر للعودة الى المنزل، وهو ما يجعله أمام معضلة تتمثل في كيفية استدراك ما تراكم من دروس وصعوبة استيعابها".
وتستطرد والدة أحمد: "منذ سنوات والخلاف يشتد بين الأطر التربوية والوزارة، إنه مشهد يتكرر في كل موسم دراسي، ومنذ سنوات تتسبب الاضرابات في شلل بالمدارس العمومية، مما يطرح علامات استفهام كثيرة".
ويرفض الأساتذة النظام الأساسي الجديد الذي وضعته وزارة التعليم، والذي اعتبروه غير منصف ولا يستجيب للحد الأدنى من مطالبهم ومن بينها حل إشكال التوظيف بالتعاقد، وإسناد مهام إضافية للمدرس وعدم إقرار تعويضات مناسبة.
مخاوف من سنة بيضاء (أي غير محسوبة)
وقد فجر هذا الوضع غضبا واسعا وسط أولياء التلاميذ والذين باتوا لا يخفون قلقهم من أن يكون للاحتقان الذي يشهده قطاع التعليم في الأسابيع الأخيرة تداعيات وخيمة على تمدرس أبنائهم واعتماد سنة بيضاء.
يقول نور الدين عكوري، رئيس الفدرالية الوطنية لجمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ، إن "المؤسسات التعليمية تعيش منذ أزيد من خمس سنوات على وقع الاضرابات التي تستمر للموسم الدراسي الحالي بسبب عدم استجابة النظام الأساسي الجديد لانتظارات شغيلة قطاع التعليم".
ويضيف العكوري في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن التلميذ يبقى هو المتضرر الأول من الأزمة بين الحكومة والأساتذة، ويرى أن:
- تواصل هذه الاضرابات يمكن أن يؤدي إلى معضلات عدة من بينها الهدر المدرسي.
- الوصول إلى توافقات وحلول عاجلة بين المدرسين وجميع الأطرف المتدخلة في قطاع التربية والتعليم سيمكن من استدراك زمن التعلم وتفادي تسجيل سنة بيضاء (أي غير محسوبة).
- مفتاح حل هذا الخلاف وحماية التلميذ من الاضرابات المستمرة، يتمثل في فتح حوار جاد بين أطر التربية الوطنية ووزارة التعليم.
سنوات من الإضرابات
- ومع توالي الإضرابات عن العمل في قطاع التعليم خلال السنوات الأخيرة أكدت الرابطة الوطنية لجمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ حرمان تلاميذ التعليم العمومي من 195 يوما من الزمن الدراسي خلال الأربع مواسم الدراسية الماضية.
- وكشفت معطيات الرابطة في رسالة مفتوحة وجهتها إلى رئيس الحكومة، أن التلاميذ فقدوا أزيد من شهر ونصف من الزمن الدراسي، منذ بداية السنة الدراسية الحالية.
- وتساءلت الرابطة عن كيفية تعويض الزمن الدراسي الضائع، بالموازة مع الاقتطاع من أجور الأساتذة المضربين الأمر الذي سيجعلهم بالضرورة يرفضون تعويض الدروس.
مطالب المضربين
وخرج عشرات الآلف من الأساتذة والأطر التربوية والإدارية، الثلاثاء بالعاصمة الرباط، في مسيرة أطلقوا عليها اسم "مسيرة الكرامة" للمطالبة بالتراجع عن القانون الأساسي لقطاع التعليم الذي يعتبرونه لا يستجيب لانتظارات الشغيلة التعليمية.
يقول عبد الله غميميط الكاتب العام الوطني للجامعة الوطنبة للتعليم (التوجه الديقراطي)، إنه وبعد سنوات من الحوار الاجتماعي بين ممثلي الشغيلة والوزارة أو الحكومة والتي كانت مخرجتها سلبية، جاء النظام الأساسي الجديد ليعمق جراح الشغيلة ويدفعها إلى الاحتجاج.
ويؤكد غميميط في تصريح لـ"سكاي نيوز عربية"، أن مطالب نساء ورجال التعليم المزاولين والمتقاعدين عديدة ومن أبرزها:
- إسقاط النظام الأساسي لموظفي قطاع التربية الوطنية.
- إرجاع المبالغ المقتطعة من أجور المضربين والمضربات، وايقاف كل إجراءات الاقتطاع التعسفي واللاقانوني من أجور المضربين.
- إسقاط مخطط التعاقد بكل مسمياته من قطاع التعليم وإدماج كافة الأساتذة والأطر المفروض عليها التعاقد في الوظيفة العمومية.
- الزيادة العامة في الأجور لكافة موظفي وموظفات التعليم بما يتناسب مع غلاء المعيشة.
- الزيادة في معاشات المتقاعدين والمتقاعدات وإلغاء تضريب معاشات المتقاعدين.
- إلغاء الساعات التضامنية وتخفيض الضريبة على الدخل لموظفات وموظفي القطاع.
ويشدد غميميط، على أن التنسيق الوطني دعا للإضراب، من منطلق أن الحوار القطاعي لم يستجب للحد الأدنى من المطالب، وردا على التصعيد الذي باشرته وزارة التعليم، عبر فرض وتمرير نظام أساسي يتضمن "مقتضيات تراجعية" تنقل شغيلة القطاع من نظام الخدمة الدائمة في إطار الوظيفة العمومية إلى نظام التشغيل بالعقدة.
ويعتبر المتحدث أنه لن يتم "مواجهة هذه المخططات الماسة بالوضع القانوني لنساء ورجال التعليم ومكتسباتهم إلا بتوحيد الصف وخوض الإضراب بما تقتضيه المرحلة حتى تحقيق المطالب".
فتح قنوات الحوار
وكانت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، قد قررت الاقتطاع من أجور المضربين عن العمل ابتداء من فاتح نوفمبر، وذلك لوقف هدر الزمن المدرسي.
وأكد الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بيتاس في تصريح مقتضب عقب انتهاء أشغال المجلس الحكومي، أن "المكان الأمثل لمعالجة الإشكالات هو الجلوس على طاولة الحوار"، مشيرا إلى أن الحوار لحل ملف الأساتذة متواصل.
وأجرى رئيس الحكومة عزيز أخنوش لقاء مع ممثلين عن النقابات التعليمية لمناقشة الأزمة التي خلفها النظام الأساسي الجديد ومحاولة إيجاد حلول للإضرابات المتكررة في القطاع.
وأوضح بيان سابق لرئاسة الحكومة، أن هذا الاجتماع ستليه اجتماعات لاحقة "بتتبع من رئيس الحكومة، من أجل العمل على تجويد النظام الأساسي، تماشيا مع تطور إصلاح القطاع".