أثار انحراف صاروخ إسرائيلي وسقوطه بشكل حر فوق منطقة ريشون لتسيون قرب تل أبيب، يوم الإثنين، تساؤلات عدة بشأن جدوى القبة الحديدية وآلية عملها، خاصة مع تكاثُر الأعطال والإخفاقات التي لاحقتها منذ اندلاع الحرب في غزة 7 أكتوبر الماضي.
في اليوم الأول للحرب، أطلقت الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها "حماس"، 5 آلاف صاروخ على إسرائيل، بشكل يفوق قدرة هذه المنظومة على الاعتراض، وهو ما تسبّب في عدم قدرتها على اعتراض الكثير منها.
رغم أن الجيش الإسرائيلي برّر سقوط هذا الصاروخ بأنه ناتج عن "خطأ تقني" فإن هذا الإخفاق تكرر أكثر من مرة منذ تصاعد رقعة الصراع الدائر بين إسرائيل وحركة حماس.
لماذا لا تصمد "القبة الحديدية"؟
على مدار الأسابيع الماضية، شككت تقارير غربية في قدرة تلك المنظومة، التي تُوصف بـ"حصن إسرائيل الدفاعي"، على الصمود حال اتساع صراع غزة، وتحوّله إلى نزاع إقليمي.
قالت وكالة "بلومبيرغ"، في تقرير سابق، إن منظومة القبة الحديدية "قد لا تتحمّل الضربات الصاروخية في حال اتساع رقعة النزاع في الشرق الأوسط".
حسب الوكالة الأميركية، فإن نسبة اعتراض "القبة" للصواريخ انخفضت من 90 بالمائة إلى نحو 80 بالمائة، ما يعني سقوط المزيد من الصواريخ على المدن الإسرائيلية إن قامت "حماس" أو جماعات أخرى بتكثيف هجماتها الصاروخية، مشيرة إلى أن "إسرائيل ستتحوّل من اعتراض صواريخ حماس إلى تدمير منصات إطلاقها".
تقول تقارير عسكرية إن القبة تحتوي على جهاز رادار ونظام تعقب وبطارية مكوّنة من 20 صاروخا اعتراضيا تسمّى "تامير"، حيث يقوم الرادار بتتبع القذائف والصواريخ مجهولة المصدر، ثم تتنبّأ البرامج المتقدمة بمسارها، وبناءً عليها توجه الصواريخ الاعتراضية.
وتضيف أنه رغم تكلفة المنظومة المرتفعة جدا، والتي يبلغ سعر المنظومة الواحدة 55 مليون دولار، فإنها تعاني عيوبا سُجلت بشأن فعاليتها، ومن أبرزها:
- لا تتعامل مع قذائف الهاون من عيار 120 ملم وما دون ذلك.
- لا تدمّر الصواريخ التي تقل مسافتها عن 4 كيلومترات لقصر مسافة الانطلاق.
- صواريخها تحوم حول القذائف حتى تصطدم بها، وكلما طال مدى الصاروخ استغرق الأمر وقتا أطول لحساب مساره، وأي انحراف يمكن أن يؤدي إلى تغيير كبير جدا في نقطة الاصطدام.
- يتطلب اعتراض الذخائر طويلة المدى رادارات أخرى بخلاف الموجودة بالقبة والتي يبلغ مداها 4.5 كيلومتر كحد أدنى.
أسباب "انحراف" صواريخ إسرائيل وخدعة "حماس"
خلال الحرب الحالية ومع كل فشل بأداء النظام الدفاعي الإسرائيلي ضد الهجمات الفلسطينية، يعود إلى الواجهة الجدل بشأن نجاعة القبة الحديدية وقدرتها على حماية سماء إسرائيل، رغم أن بعض التقارير تصفها بـ"أعجوبة تكنولوجية" بعد التطوير الذي شهدتها لمدة 3 سنوات عقب دخولها الخدمة في عام 2010.
في وقت سابق، أقرّت إسرائيل بتراجُع قدرة القبة الحديدية على اعتراض الصواريخ الفلسطينية، وذلك أمام تحسّن القدرة الصاروخية لفصائل المقاومة بعد الاختراق المتكرّر لتلك المنظومة.
يفسّر معهد "وايزمان" للعلوم، في تقرير نشره قبل عامين، الفيزياء التي يعمل بها هذا النظام الدفاعي والتي تعتمد بالأساس على رادار يُصدر إشعاعا كهرومغناطيسيا في اتجاه معين.
- عندما يضرب هذا الإشعاع صاروخا أو أي جسم متحرّك آخر في طريقه، فإنه ينعكس إلى جهاز الكشف، ويتيح حساب الفترات الزمنية بين إطلاق الإشعاع وامتصاصه عن طريق الكاشف تحديد مكان وجود الجسم.
- هنا يتعيّن على النظام أداء مهمتين: تحديد المكان الذي يوشك الصاروخ على الهبوط فيه بسرعة، وحساب المكان الذي يجب إطلاق الصاروخ فيه لاعتراضه على طول مساره، وفق المعهد البحثي الإسرائيلي.
- رغم حساب مسار الصاروخ والتنبؤ به باستخدام مبادئ الفيزياء فإن غياب معلومات مسبقة عن البنية الديناميكية الهوائية للصاروخ، وفقدان تفاصيل قوى السحب وعزم الدوران المؤثّرة عليه، تجعل تلك المهمة صعبة للغاية، لأن حركته تتطلّب تتبعا مستمرا لحساب مساره، باستخدام خوارزميات متطورة.
- نجحت صواريخ "حماس" أكثر من مرة في تعطيل هذه الخوارزميات بالقبة وخداع تلك الفيزياء التي تعتمد عليها، وذلك وفق الخبير في بحوث العمليات بجامعة بروك الكندية، مايكل أرمسترونغ.
- وفق موقع شبكة "إيه بي سي نيوز" الأسترالية، فإن عدد الصواريخ التي تطلقها الفصائل الفلسطينية يحتاج إلى تغطية متداخلة لبطاريات القبة الحديدية، فإذا كنت المنظومة تعترض ألف صاروخ، فإسرائيل بحاجة إلى هذا القدر على الأقل من الصواريخ الاعتراضية.
- "حماس" تنفّذ أسلوب "هجوم الطلقة" الذي يشل قدرة القبة الحديدية، ويكشف نقاط ضعفها.
- القبة الإسرائيلية توفر شعورا زائفا بالأمن، لأن الفصائل الفلسطينية تطوّر تكتيكاتها العسكرية وتكتسب تكنولوجيا جديدة للتغلب على ترسانة السلاح الإسرائيلي.
لماذا تخفق القبة الإسرائيلية؟
يقول الخبير العسكري الروسي أليكسي ليونكوف، لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن الفصائل الفلسطينية تعرف جيدا نقاط ضعف القبة الحديدية، كما أن لدى إسرائيل 10 بطاريات صاروخية موزّعة على عدة مناطق، وحركة "حماس" وغيرها من الفصائل تعرف هذه الأماكن، وبالتالي يمكنها التغلب عليها.
- عدد الصواريخ التي تطلقها حماس تثقل كاهل الدفاع الجوي الإسرائيلي وتدفعه إلى الإخفاق وتكشف عيوبه وأعطاله، لأن مع وصول عدد كبير من الصواريخ في توقيت واحد لا يستجيب النظام بالسرعة الكافية لإسقاطها جميعا.
- "حماس" تتبع استراتيجية وأسلوب "هجوم الطلقة" والتي تعني إطلاق وابل من الصواريخ على نفس الهدف في آن واحد، ما يشل قدرة القبة الحديدية على الاعتراض.
- الفصائل الفلسطينية تستغل نقاط ضعف القبة ولديها دراية كاملة بقدراتها، كما تحسب عدد الرشقات الصاروخية التي تُطْلَق لتشتيت تلك المنظومة.
- خلال الحرب الحالية، ظهرت عيوب كبيرة في القبة الحديدية، وإسرائيل اعتمدت على التكنولوجيا وتناست تحديث منظومات الأمن وقدرة أفرادها على إدارة منظومات الدفاع.
- انحراف صواريخ القبة الحديدية وسقوطها ووقوع ما يسمى بـ"النيران الصديقة" في المدن الإسرائيلية، أمر متوقّع مع تزايُد الأعطال والإخفاقات بهذا النظام الدفاعي.