تعيش العلاقات بين مصر وإسرائيل أجواء من التوتر الشديد، لم تشهده منذ سنوات، تجلَّى في حديث القاهرة عن المخاطر التي تمس "الأمن القومي المصري"؛ نتيجة التصعيد الجاري في قطاع غزة.
أبرز هذه المخاطر ظهر في اقتراحات إسرائيلية بنقل سكان غزة إلى شبه جزيرة سيناء المصرية، والتي سبق وتكررت في سنوات سابقة، وقوبلت برفض مصري صارم.
يرصد محللان سياسيان، مصري وفلسطيني، لموقع "سكاي نيوز عربية" ما يتوقعان أن يصل إليه منسوب التوتر بين البلدين الأيام المقبلة، وتأثير ذلك على إمكانية قيام مصر بدورها المعتاد في الوساطة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل لوقف العنف.
أبرز الصدامات الدبلوماسية
على مدار 13 يوما منذ اشتعال الهجمات بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، تبادل المسؤولون في مصر وإسرائيل تصريحات تكشف الخلاف الحاد حول التعامل مع هذا الصراع:
- دعا المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي سكان غزة لترك القطاع والتحرك نحو الجنوب، أي باتجاه الحدود المصرية.
- القيادي في حزب "إسرائيل بيتنا"، داني أيالون، وهو حزب مشارك في حكومة الحرب التي شكلها رئيس الوزراء، بنيامين نتانياهو، بالتعاون مع وزير الدفاع السابق بيني غانتس، اقترح نقل سكان غزة إلى شبه جزيرة سيناء.
- في مؤتمر صحفي عقده مع المستشار الألماني، أولاف شولتس، في القاهرة، الأربعاء، أكد الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، رفضه الإشارات الإسرائيلية لنقل سكان غزة إلى سيناء، معتبرا أن الهجمات على غزة مقصود بها تنفيذ هذا الاقتراح.
- اقترح السيسي أنه "إذا كان من الضروري نقل مواطني القطاع خارجه حتى انتهاء العمليات العسكرية، فيمكن لإسرائيل نقلهم إلى صحراء النقب".
- تتهم القاهرة تل بيب بعرقلة دخول شاحنات المساعدات الغذائية والطبية من الجانب المصري في معبر رفح إلى داخل غزة، بعد تعرض الجانب الفلسطيني من المعبر لقصف إسرائيلي 4 مرات؛ ما يعني وجود خطر على مرافقي الشاحنات.
- ردا على ذلك، رفضت مصر خروج حاملي الجنسيات الأجنبية في داخل غزة من معبر رفح إلى مصر؛ ليتسنى لهم العودة إلى بلادهم، إلا بعد السماح بدخول المساعدات، ونقلت قناة "القاهرة الإخبارية" عن مصدر سيادي مصري قوله إن "التصعيد سيقابل بتصعيد".
أسوأ الفروض
بتعبير الكاتب الصحفي في وكالة أنباء الشرق الأوسط (المصرية الحكومية)، والمتخصص في الشأن الفلسطيني، صلاح جمعة، فإن العلاقات بين مصر وإسرائيل "لم تكن في يوم حميمية، هي علاقة عادية فقط".
"لكن هذه العلاقات العادية تأثرت بشكل كبير هذه الأيام بسبب موقف مصر الداعم للفلسطنيين، والرافض لنوايا إسرائيلية بتهجير الفلسطنيين إلى سيناء"، وفق جمعة.
ويرى أن مصر تعتمد في موقفها هذا على التفاق الشعب المصري حول قيادته السياسية، وكذلك على عدم استجابة الشعب الفلسطيني لمخطط تهجيره.
وعن "أسوء الفروض" التي يمكن أن تحدث بين البلدين، يقول الكاتب المصري إنها سحب السفراء وقطع العلاقات، "إلا أن هذا مستبعد بشكل كبير؛ لأن الجانبين على يقين بأن بقاء الوضع الدبلوماسي مهم للتواصل والتنسيق في محاولة لحل الأمور".
ماذا لو طالت الأزمة؟
يصف المحلل السياسي الفلسطيني، نذار جبر، مصر بأنها "هي أقرب دولة عربية للقضية؛ كون حدودها مهددة من الأحداث المشتعلة، إضافة لظهور دعوات إسرائيلية بتهجير الفلسطينيين إلى سيناء".
وفي تقديره، فإنه رغم هذا "التوتر الواضح في العلن، ولكن الأمور لم تصل لحد قطع العلاقات؛ فإبقاء التمثيل الدبلوماسي يصب في مصلحة الفلسطينيين".
أما إذا طالت الأزمة، فإن جبر لا يستبعد أن "تشتعل أزمة إقليمية كبيرة تلقي بظلالها على جميع الأطراف".
وعن دور مصر في الوساطة لوقف الهجمات بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل يقول المحلل الفلسطيني: "لا نستطيع القول أن مصر في هذا الوقت دولة تسعى للوساطة، لكنها دولة معنية بالأزمة بسبب دعوات التهجير".
وشهدت مصر، الأربعاء، العديد من الوقفات الاحتجاجية في عدة جامعات ونقابات وفي الشوارع ضد دعوات نقل الفلسطينيين إلى سيناء، ومسيرات شعبية تساند اقتراح الرئيس المصري بنقلهم، إن لزم الأمر، إلى النقب.
وعلى صعيد أزمة شاحنات المساعدات المتوقفة قرب معبر رفح وفي العريش بسيناء؛ انتظارا للدخول إلى غزة، استقبل وزير الخارجية المصري، سامح شكري، الخيمس، الأمين العام للأمم المتحدة، انطونيو غوتيريش، الذي شدد على "وقف إطلاق نار إنساني وفوري"، ووصول مساعدات "سريعة وبلا عوائق" إلى غزة.
من ناحيته، أكد شكري حرص بلاده على استمرار عمل معبر رفح، مشددا فيما يخص إنهاء الأزمة برمتها بقوله: " لا نرى بديلا سوى عودة الأطراف لطاولة المفاوضات، لتفعيل حل الدولتين".