بين عشية وضحاها، بات الطبيب محمود سعد الدين مُطالبًا أن يواصل الليل بالنهار للتعامل السريع مع مئات المصابين يومياً داخل مجمع الشفاء الطبي في غزة، جراء القصف الإسرائيلي المتواصل مع القطاع منذ هجوم حماس المباغت قبل 13 يومًا.

وتحذر منظمة الصحة العالمية، ومؤسسات إغاثة دولية، من "كارثة راهنة" في النظام الصحي داخل قطاع غزة، جراء نقص الإمدادات الطبية، مع الأضرار التي طالبت بعض المنشآت الطبية على رأسها قصف مستشفى المعمداني الذي أسفر عن 500 شخصًا بين قتيل وجريح، فضلًا عن الاستهداف المباشر لبعض الأطقم الطبية وسيارات الإسعاف.

عمل سعد الدين لأيام في بداية العمليات بمجمع الشفاء الطبي، الذي يعد أكبر مستشفى في القطاع المكتظ بالسكان، ويخدم ما يزيد على مليون شخص داخل غزة، لكنه مع الدعوات الإسرائيلية للنزوح إلى جنوب القطاع اضطر للرحيل مع عائلته، ليعمل حالياً بمستشفى شهداء الأقصى في دير البلح بوسط القطاع.

أخبار ذات صلة

لحظة بلحظة.. تطورات التصعيد في غزة
غارة إسرائيلية تدمر أحد المخابز في منطقة النصيرات وسط غزة

 وكشف الطبيب الفلسطيني في حديثه لـ"سكاي نيوز عربية"، بعد دقائق من استقباله عددًا من المصابين بينهم طفلة توفيت بعد قصف منزلهم، بالقول إن "الوضع صعب للغاية، فلم أشاهد مثل ما يجري في حياتي".

وأضاف: "اضطررت أنا وغيري للنزوح مع والدتي مريضة الفصل الكلوى، ما أدى لوجود ثغرات في بعض الأقسام".

وعن تعامل الطواقم الطبية مع الضغوط الواسعة على القطاع الصحي، قال سعد الدين إن "الوضع في مستشفيات القطاع على وشك الانهيار الوشيك، هناك استهداف للمؤسسات الصحية الثانوية، وقصف في محيط المشافى الرئيسية من بينها الأقصى، بجانب فاجعة قصف مستشفى المعمداني، فالطواقم الصحية سقط منها العشرات شهداء هم وعائلاتهم".

وبعد تزايد الحصار المفروض على القطاع، أصبحت المستشفيات تعمل فوق طاقتها الاستيعابية بما يضمن الاستجابة الطارئة والتعامل مع كافة المصابين الذين يتوافدون بـ"العشرات" خلال بضع دقائق يوميًا وعلى مدار اليوم، ما دفع مديري تلك المستشفيات للاستعانة بخيام لإيواء المرضى أصحاب الإصابات البسيطة والمتوسطة في الساحات المجاورة.

تفاقم الوضع الإنساني في غزة إثر خروج معظم الخدمات عن الخدمة

 وأضاف: "بجانب التعامل مع الحالات، هناك افتراش لمئات الناس في ساحات المستشفيات للاحتماء من القصف، ومن هُجروا من بيوتهم لمدارس الإيواء، ثم إلى المستشفيات مرة ثانية".

ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل باتت ثلاجات الموتى لم تعد تستوعب العدد الكبير من الضحايا، ولذا "يتم وضع الجثث أيضا في خيم خارج الاستقبال حتى يتعرف ذويهم عليهم" وفق الطبيب الفلسطيني.

نقص كوادر واستهداف
بدوره، أشار الطبيب نادر الهادي، إلى عدد من المعوقات التي تواجه الفرق الطبية في تلك الظروف الصعبة، وعلى رأسها "النقص الكبير في الكوادر الطبية، ومما زاد الوضع تعقيدًا صعوبة التنقل والوصول ما بين مناطق قطاع غزة".

استهداف سيارات الإسعاف يأتي أيضًا ضمن المعوقات، حيث يضيف: "يجرى استهداف الطواقم الطبية داخل سيارات الإسعاف، تعاملنا مع عدد من حالات الطوارئ من سائقي الإسعاف بإصابات خطيرة وحروق، بجانب عدد ممن فقد حياته داخل سيارة الاسعاف".

وإلى جانب ذلك، فهناك نقص كبير في عدد الأطباء بالتخصصات النادرة، مثل جراحة الصدر، والأوعوية الدموية.

تحذيرات أميركية من غياب استراتيجة واضحة لما بعد اقتحام غزة

 ويحبس الأطباء أنفاسهم يومًا تلو الآخر، بعد الإعلان عن إبلاغ 12 مستشفى ومركز طبي من المتوسطة والصغيرة بالإخلاء المباشر، خوفًا من تكرار القصف الذي طال مستشفى المعمداني.

وتوجد في قطاع غزة 4 مستشفيات مركزية كبيرة، على رأسها مجمع الشفاء الذي يغطى مدينة غزة، و"الإندونيسي" الذي يغطي بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا، ومستشفى ناصر في خان يونس، وغزة الأوروبي ما بين رفح وخان يونس.

ومع ذلك، فهناك عدد من المستشفيات الصغيرة بين أهلية وخيرية وحكومية، كان الهدف منها تقليل الضغط على المستشفيات الكبيرة.

أعداد تفوق القدرة
بدوره، قال مدير عام مجمع الشفاء الطبي، محمد أبو سلمية، في حديث لـ"سكاي نيوز عربية"، إن أعداد الجرحى والمصابين تفوق قدرة الطواقم الطبية والإمكانيات داخل المستشفى.

قوافل المساعدات الإنسانية بمعبر رفح تستعد للدخول إلى غزة

 وأضاف: "إسرائيل لا تتوانى عن تهديدنا وإجبارنا على النزوح، لكننا لن نترك مرضانا أو الجرحى ولا يمكن إخلاء هذا العدد الكبير من المرضى".

وشدد على أن الوقود اللازم لتشغيل المولدات الكهربائية بات قاب قوسين أو أدنى من النفاد، وبالتالي توقف المستشفى عن العمل، ليتحول إلى "مقبرة جماعية" للمصابين في الوقت الراهن.