خلال الأعوام الماضية، ظلت "عيون إسرائيل" مفتوحة تماما لا تنام، موجهة نحو غزة المجاورة، مسيرات المراقبة تطن باستمرار من السماء، والحدود شديدة التأمين تزدحم فيها الكاميرات الأمنية والجنود الذين يحرسونها، بالإضافة لمكاتب الأمن السيبراني التي تعمل بشكل دؤوب على استخلاص المعلومات والتسريبات، من غزة.
لكن بحسب تقرير لوكالة أسوشيتد برس، فإن "عيون إسرائيل" كانت مغمضة، خلال الهجوم غير المسبوق الذي شنته حركة حماس المسلحة قبل أيام، حين حطمت الحواجز الحدودية الإسرائيلية وأرسلت مئات المسلحين إلى إسرائيل لتنفيذ هجوم صادم أدى إلى مقتل المئات.
الاستخبارات الإسرائيلية
اكتسبت وكالات الاستخبارات الإسرائيلية "هالة" على مر العقود، بسبب سلسلة من الإنجازات. أحبطت إسرائيل مخططات تم التخطيط لها في الضفة الغربية، وطاردت نشطاء حماس في الدول المجاورة، كما اتُهمت بقتل علماء نوويين إيرانيين في قلب إيران. وحتى عندما تعثرت جهودهم، حافظت وكالات مثل الموساد والشين بيت والاستخبارات العسكرية على غموضها وهيبتها.
لكن هجوم نهاية الأسبوع، الذي فاجأ إسرائيل في عطلة يهودية كبرى، يلقي بظلال من الشك على هذه السمعة ويثير تساؤلات حول مدى استعداد البلاد في مواجهة عدو يفتقر الإمكانيات الحربية المتطورة، ولكنه شديد الحزم.
فشل كبير
وقال ياكوف أميدرور، مستشار الأمن القومي السابق لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: "هذا فشل كبير". وأضاف أن "هذه العملية تثبت فعليا أن القدرات (الاستخباراتية الإسرائيلية) في غزة لم تكن جيدة".
ورفض أميدرور تقديم تفسير للفشل، قائلا إنه يجب تعلم الدروس عندما يهدأ الغبار.
واعترف الأدميرال دانييل هاغاري، كبير المتحدثين العسكريين، بأن الجيش مدين للشعب بتفسير. لكنه قال الآن ليس الوقت المناسب. وقال: "أولا، نقاتل، ثم نحقق".
ويقول البعض إنه من السابق لأوانه إلقاء اللوم على خطأ استخباراتي فقط. ويشيرون إلى موجة من العنف المنخفض المستوى في الضفة الغربية أدت إلى نقل بعض الموارد العسكرية إلى هناك والفوضى السياسية التي تعصف بإسرائيل بسبب الخطوات التي اتخذتها حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة لإصلاح السلطة القضائية. وقد هددت الخطة المثيرة للجدل تماسك الجيش القوي في البلاد.
ولكن السبب الرئيسي لهذا الهجوم الأقوى على إسرائيل منذ أعوام، إلى الافتقار الواضح إلى المعلومات المسبقة بخطة حماس.
وعلى الرغم من قدرات إسرائيل الاستخباراتية، تمكنت حماس من إبقاء خطتها طي الكتمان. ويبدو أن الهجوم الشرس، الذي استغرق على الأرجح أشهرا من التخطيط والتدريب الدقيق وتضمن التنسيق بين مجموعات مسلحة متعددة، قد وقع "تحت" رادار المخابرات الإسرائيلية.
وقال أمير أفيفي، وهو جنرال إسرائيلي متقاعد، إنه بدون موطئ قدم داخل غزة، أصبحت أجهزة الأمن الإسرائيلية تعتمد بشكل متزايد على الوسائل التكنولوجية للحصول على معلومات استخباراتية. وقال إن المسلحين في غزة وجدوا طرقا للتهرب من جمع المعلومات الاستخبارية التكنولوجية، مما أعطى إسرائيل صورة غير كاملة عن خططهم.
تحذير من "حدث كبير"
ووفقا لوكالة أسوشيتد برس، قال مسؤول في المخابرات المصرية إن مصر، التي تعمل في كثير من الأحيان كوسيط بين إسرائيل وحماس، تحدثت مرارا وتكرارا مع الإسرائيليين حول "شيء كبير" ، دون الخوض في التفاصيل.
وأضاف المسؤول المصري أن المسؤولين الإسرائيليين ركزوا على الضفة الغربية وقللوا من شأن التهديد القادم من غزة.
وأشار المسؤول الذي لم يكشف عن هويته: "لقد حذرناهم من أن انفجارا قادما للوضع، وسيكون قريبا جدا، وكبير، لكنهم قللوا من شأن هذه التحذيرات".
تشتت كبير
وقال المستشار الأمني الوطني الإسرائيلي السابق إيال هولاتا لوكالة رويترز: "لقد كانوا يخططون لهذا منذ وقت طويل." "من الواضح أن هذا هجوم منسق للغاية، وللأسف تمكنوا من مفاجأتنا تكتيكيًا وتسببوا في أضرار مدمرة."
من جانبه، قال بروس هوفمان، الزميل الكبير في مجال مكافحة الإرهاب والأمن القومي في مجلس العلاقات الخارجية: "لا توجد وكالة استخبارات وطنية عليمة بكل شيء أو خالية من الأخطاء، ولكن ما حدث فشل هائل، ومدهش".
وأوضح أنه في الأشهر الأخيرة، كان جزء كبير من تركيز قوات الجيش الإسرائيلية في الضفة الغربية، حيث أطلق شبان فلسطينيون مبادراتهم الخاصة ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وقال هوفمان، الذي درس العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية على مدى الـ40 عامًا الماضية: "كانت الضفة الغربية تستهلك انتباههم."
كما كان المسؤولون الإسرائيليون مشغولين أيضًا بالتوترات حول المسجد الأقصى، بعدما قامت الشرطة الإسرائيلية بعمليات اقتحام في شهر إبريل.
وقال هوفمان: "كان هناك الكثير من الأصول والموارد مركزة على مراقبة الأحداث في القدس."