نشرت الجريدة الرسمية التابعة لمجلس النواب الليبي، قانون مكافحة توطين الأجانب الذي وافَق عليه المجلس بالأغلبية مارس الماضي، ولم يكشف عنه اللثام إلا مؤخرا، في ظل تصاعد المخاوف من مخططات لـ"توطين المهاجرين".
يتضمن القانون رقم 24 للعام 2023 بشأن مكافحة توطين الأجانب في ليبيا، تعريفا لمعنى هذا التوطين، وكيف يحدث، وعقوباته.
ماذا يعني توطين الأجانب؟
عرف القانون توطين الأجانب في المادة (1) بأنه:
- إدخال الأجانب إلى ليبيا بقصد اتخاذها موطنا دائما لهم، سواء دَخَلَ الأجنبي عبر المنافذ الحدودية الرسمية أو غيرها، وسواء دخل بتأشيرة صحيحة أو بغير تأشيرة، متى كان القصد التوطن.
- يعتبر أيضا توطنا، بقاء الأجنبي في ليبيا بعد انتهاء المدة المحددة لإقامته فيها أو في حال بقائه بعد زوال سبب دخوله، ويعتبر دخول الأجنبي أو إقامته دون سبب معلوم دليلا على أن السبب التوطّن في ليبيا.
- يعتبر أيضا توطنا، إعادة الأجانب إلى البلاد بعد خروجهم واجتيازهم الإقليم الليبي.
عقوبات على الساعين في التوطين
كما أقر البرلمان الليبي عقوبات بالغرامة والحبس في المواد 2 و3 و4 على:
- مَن يقصد التوطن في ليبيا.
- مَن أوى أجنبيا أو شغله بقصد توطينه، سواء كان الآوي شخصا طبيعيا أو ممثلا لشخص اعتباري، ويضاف كذلك له عقوبة مصادرة أمواله وممتلكاته ذات الصلة بالجريمة.
استحداث نظام الكفيل
وكشكل آخر من أشكال مكافحة الدخول والانتشار العشوائي للأجانب في البلاد، ولفرض نوعٍ آخر من الرقابة عليهم، استحدث القانون في المادة 6 نظام الكفيل.
وورد بهذا الشأن أنه:
- لا يجوز للأجنبي دخول ليبيا والإقامة فيها إلا بوجود "كفيل ليبي الجنسية يكون مسؤولا عن جميع الإجراءات الخاصة به حتى خروجه".
- يُلزم الأجنبي بسداد رسوم تقدرها جهات الاختصاص مقابل تسهيل سُبل العيش.
صلاحيات للقاضي
منحت المادة 7 للقاضي الحق في:
- إبعاد الأجنبي الذي دخل البلاد بقصد التوطن.
- إبعاد الممثل القانوني للشخص الاعتباري إذا ارتكب أي سلوك من السلوكيات المجرّمة وفق أحكام هذا القانون.
مؤتمر روما "المُقلق"
زاد القلق من توطين الأجانب بعد المؤتمر الدولي للهجرة والتنمية الذي عُقد في روما 23 يوليو الماضي، وشارك فيه رئيس الحكومة منتهية الولاية، عبد الحميد الدبيبة.
حينها، تحدَّثت وكالة الأنباء الليبية عن تعرّض ليبيا لضغوط، وأنه رغبة من إيطاليا ودول أخرى للحد من وصول المهاجرين غير الشرعيين إليها، تم "استغلال" ظروف ليبيا غير المستقرة لتوطين هؤلاء و"تحميل شعبها تبعات الملف".
اتفاق الحكومة مع البرلمان
تتفق الحكومة المكلفة من البرلمان، ويرأسها أسامة حماد، معه في القلق من تحويل ليبيا لمقر لتوطين المهاجرين، بأي مسمّى.
وأكدت الحكومة في بيان أنها:
- ستتصدّى لأي محاولات في هذا الشأن، وستتخذ الإجراءات اللازمة حيال أي طرف يثبُت تورطه في أي ترتيبات خاصة بهذا الملف.
- بشأن مؤتمر روما، تمت ملاحظة أنه يرفع شعارات التعاون بين الدول التي تشترك في حوض البحر الأبيض المتوسط، في مواجهة أفواج المهاجرين غير الشرعيين، وخلق نموذج جديد لمكافحة هذه الظاهرة، إلا أنه وفي باطنه يتضمن محاولات ومبادرات لتوطين المهاجرين من الدول الإفريقية في الدول المتوسطية الإفريقية ومنها ليبيا، كنوعٍ مِن تخفيف ضغط الهجرة غير المشروعة إلى أوروبا.
اتهامات بـ"تنازلات"
في المقابل، تُوجَّه اتهامات للحكومة المنتهية ولايتها برئاسة عبد الحميد الدبيبة، بأنها تقدم "تنازلات" للدول الكبرى تخص توطين الأجانب؛ كي تحصل على تأييد هذه الدول في البقاء لأطول فترة في الحكم، وفق النائب في البرلمان، علي الصول.
تحذير إلى أوروبا
يلفت المحلل السياسي الليبي، عز الدين عقيل، إلى أن "الدول الغربية هي التي تتحمّل المسؤولية الأخلاقية في ملف المهاجرين؛ لأنها هي التي استغلت ثروات الدول الإفريقية خلال فترة الاستعمار، وهي القادرة على استيعابهم الآن باقتصاداتها الكبيرة".
في نفس الوقت، يوجّه العقيل تحذيرا لأوروبا من أن ليبيا لن تكون وحدها المتضرر من توطين الأجانب فيها.
يوضّح المحلل السياسي أنّ أوروبا أيضا ستتضرر؛ لأنه إذا تحوّلت ليبيا إلى "كارثة أو مأساة وطنية" نتيجة هذا التوطين فإنه "لن يمكن حصرها داخل حدودها، وستمتد أخطارها إلى الإقليم والدول الأوروبية".