يهربن من ضغوط الحياة اليومية و مشاغل العمل و مسؤوليات الرعاية إلى نوادي الغناء والموسيقى بحثا عن استشفاء و تعديل للمزاج، هكذا يبدو حال ألاف النساء الموظفات و ربات البيوت في تونس اللواتي اخترن الانخراط في نوادي الغناء المنتشرة في تونس خلال السنوات الأخيرة .
و تشهد هذه النوادي إقبالاً كبيراً من النساء اقتناعاً منهن بالفوائد النفسية والجسدية للترفيه عن النفس عبر الغناء ، فضلا عن مساهمة اللقاءات الدورية بينهن في خلق صداقات جديدة لهن بعيدا عن بيئة العمل و الأسرة.
ملاذ من الضغط النفسي و الوحدة
وتقول حنان ( 42 )عاما وربة بيت إنها التحقت بنادي للغناء قبل أشهر باعتباره نشاطا قد يساعدها في الخروج من حالة اكتئاب ألمت بها جراء ضغوطات الحياة إلا أنها سرعان ما ألفت الأجواء في النادي ووجدت في الموعد الأسبوعي للغناء متنفسا لها و أصدقاء جدد و وقتا تخصصه لها وحدها بعيدا عن مسؤولياتها العائلية الكثيرة .
أما أمال (55 سنةً)، فهي على أبواب التقاعد من عملها في مراقبة الأداءات وقد قادها الملل و الوحدة بعد سفر أبنائها للعمل بالخارج إلى البحث عن متنفس للترفيه عن نفسها ووجدت ضالتها في نادي للغناء حيث تقول " سمعت عن هذه النوادي من صفحات التواصل الاجتماعي و عندما ارتدتها لأول مرة منذ ثلاث سنوات أصبحت وجهتي كل نهاية أسبوع وتحولت نساء المجموعة إلى صديقات وأخوات لي".
و بدورها تعتبر سمية (62 عام) مربية متقاعدة أن الغناء الجماعي و النشاط الموسيقي كان جزءا من رحلة علاجها من اضطرابات القلق حيث نصحها طبيبها النفسي بالمشاركة في أنشطة اجتماعية و ملء وقت فراغها بعد التقاعد من العمل و قد وجدت في أجواء الموسيقى و الغناء الراحة و التسلية و نجحت في الاندماج و تكوين صداقات مع سيدات من أعمار مختلفة .
العلاج عبر الموسيقى
و تحدثنا رحمة بن عفانه مؤسسة نادي "هي" أقدم نادي غناء نسائي في تونس أنها كانت مغرمة في شبابها بالموسيقى و العزف على العود و الكمنجة إلا أن عائلتها دفعتها نحو تخصص مهني مختلف لتشتغل في إدارة احدى الشركات.
و تضيف "ولكنني كنت مثل كل النساء اللواتي يرتدن اليوم نادي الغناء الجماعي أشعر بالضغط و أعاني من الروتين فبدأت بدراسة الموسيقى و الغناء ثم كونت مجموعة من الصديقات للتدرب على الغناء الجماعي وصلت في البداية إلى 250 سيدة ثم تطورت مع "نادي هي" إلى 1500 مشاركة و أصبحنا نتدرب بشكل مكثف و نقدم العروض في تونس و أوروبا و كندا و الجزائر وأصبح لدينا جمهور يطلب عروضنا".
و بخصوص شروط الانضمام للنادي توضح رحمة "ليس مهما أن تمتلك السيدة صوتا جميلا و يكفي أن تكون محبة للغناء و الموسيقى نحن نقدم لهن تدريبات من أساتذة موسيقى على أداء الأغاني التونسية و الشرقية و خلال العروض ننتقي الأصوات المميزة لتكون في قيادة المجموعة الغنائية ".
و تؤكد رحمة بن عفانه أن النادي يضم نساء من شرائح عمرية مختلفة ومن فئات اجتماعية متنوعة تغيرت حياتهن من الروتين و الوحدة إلى عالم مليء بالموسيقى و الأصدقاء وهو نوع من العلاج بالموسيقى أعاد الأمل للكثيرات و تتابع صاحبة نادي الغناء " هي " لم أتوقع أن يلقى النادي كل هذا الاشعاع وأكثر ما يبهجني قصص النساء اللواتي شفين عبر الغناء و الموسيقى من الأمراض النفسية أو تغلبن على ثقل الأمراض الخبيثة و قاومنها بشجاعة و أمل أو خرجن من الوحدة بعد الانفصال أو سفر الأبناء و زواجهم .
ومن جهتها أكدت إيمان العجيلي عازفة أورغ و صاحبة نادي " للة" للغناء في إحدى الأحياء الشعبية بالعاصمة أن نساء كثيرات نجحن في إدارة حياتهن بشكل أفضل و تجاوز الضغوطات بعد الالتحاق بنوادي الغناء الجماعي.
و تعتبر أستاذة الموسيقى أن الهدف الأول من النادي هو التعبير عن الذات وممارسة نشاط ترفيهي مهما كانت الإمكانيات الصوتية التي تتطور أيضا بالتدريبات فدرس الغناء فسحة شخصية للنساء قدمت لهن الكثير معنويا.
و تتفق السيدة نجوى الزريبي ربة بيت و صاحبة نادي "صوت قرطاج" مع زميلاتها في أهمية الغناء الجماعي في تغيير نفسية السيدات إلى الأفضل و تؤكد أنه "مثل النشاط الرياضي يبعث الكثير من الحيوية و الطاقة الإيجابية في المشتركات كما أن الغناء بشكل جماعي يسمح بمشاركة التجارب و خلق صداقات جديدة لنساء هربن للغناء من الملل و الوحدة و ضغوطات الحياة مما دفع بعدد من الأطباء إلى توجيه السيدات لمثل هذه الأنشطة الترفيهية ".
للنساء فقط
و يسمح القانون التونسي الذي ينظم الأنشطة الثقافية و الترفيهية ، بتأسيس مراكز ثقافية خاصة، لتدريس الغناء و فنون المسرح و الرقص و غيرها إلا أن نوادي الغناء حظيت بشهرة واسعة في البلاد و أصبحت فضاءات مخصصة فقط للنساء ليقاومن الروتين اليومي، ويرفهن عن أنفسهن، ويتبادلن الزيارات و يتشاركن الرحلات .
و تطورت أنشطة بعض نوادي الغناء إلى إقامة الحفلات و الأعراس و العروض و حظيت فيديوهاتهم الجماعية بالإعجاب و المتابعة وملايين المشاهدات كما حازت على تشجيع عدد من الفنانين و النجوم .