إلى وقت قريب من الآن كانت العقارات والأراضي السكنية في السودان وجهة استثمارية جاذبة لرجال الأعمال كونها تمثل القطاع الأكثر أمنا وتتيح للتجار الحفاظ على رؤوس أموالهم، وذلك في ظل التراجع المستمر في قيمة العملة الوطنية وتصاعد معدلات التضخم، لكن الحرب سددت ضربة موجعة لهذا السوق وسط توقعات بخسائر فادحة.
ويشهد سوق العقارات في السودان، وفق متعاملين تحدثوا لموقع "سكاي نيوز عربية"، حالة من الركود غير المسبوق، إلى جانب تراجع كبير في قيمة الأراضي السكنية والمنازل المشيدة.
ويقابل العرض الواسع للقطع السكنية، شبه انعدم في عمليات الشراء، كما ساهم شح السيولة النقدية في تفاقم محنة السوق العقاري، حيث تغلق المصارف في العاصمة الخرطوم أبوابها منذ بداية الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل الماضي.
ويقول فاروق سعيد، صاحب وكالة عقارات في أم درمان: "أغلقت أبواب محلي وتوقفت عن العمل تماماً منذ اندلاع الصراع المسلح، فالسوق العقاري في حالة انهيار كلي، فلا يمكن إجراء أي معاملات في ظل هذه الأوضاع، وليس هناك أحد يرغب في الشراء، وهذا الأمر سوف يترتب عليه تجميد رؤوس أموال المستثمرين في هذا القطاع، وربما خسائر بعد بروز حالة تراجع في الأسعار".
ويرى سعيد، الذي تحدث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن القطاع دخل عهدا مظلما بعدما باتت الخسائر المادية تلاحق أصحابه، كما اهتزت الصورة الذهنية التي كانت سائدة بشأنه، حيث كان يصفه الجميع بـ"بالاستثمار الآمن".
تسويق إلكتروني
ومع غياب الوكالات العقارية التي أغلقت أبوابها بسبب القتال، لجأ الأشخاص العاديون إلى المجموعات الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي لعرض أراضيهم السكنية ومنازلهم في مختلف أنحاء العاصمة الخرطوم، مع وضع أسعار منخفضة مقارنة بما كان عليه الحال في السابق، لكن لا يبدو هناك أي إقبال على الشراء.
ففي بعض الأحياء الراقية في شرق الخرطوم مثل الرياض، وفي بحري وضاحية جبرة جنوب العاصمة، التي كانت تنافس عواصم البلدان الكبرى في أسعارها، عرض مواطنون منازل وقطع سكنية للبيع بمبالغ تقل عن السابق بحوالي 30 في المئة، مع إعطاء مساحة للتفاوض حيث كانت بعض هذه الأحياء تباع أراضيها بواقع 1200 – 1400 دولار للمتر المربع، والآن انخفضت إلى حدود 800 – 900 دولار للمتر، وذلك حسب ما استنتجه وسيط عقارات من العروض الإلكترونية.
وتواجه الأحياء الشعبية في العاصمة الخرطوم مثل امبدة وضواحي أم درمان وشرق النيل المصير نفسه، حيث عرض العديد من الأشخاص منازل جاهزة للبيع بأسعار منخفضة رغبة منهم في الحصول على مبالغ نقدية تعينهم على مغادرة العاصمة الخرطوم للاستقرار في مناطق آمنة، فيما لم تظهر أي ملامح لأي عمليات شراء.
ويشير صلاح عبد الله، وسيط في سوق العقارات "سمسار"، خلال حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، إلى أن حالة الشلل التي تضرب القطاع العقاري تعود إلى عدة عوامل أهمها:
- شح السيولة النقدية وتسخير التجار والمواطنين المبالغ التي بحوزتهم إلى الأكل والشرب وضروريات الحياة بشكل رئيسي.
- تدهور الوضع الأمني يجعل الوصول إلى العقار أو القطعة السكنية المراد بيعها شبه مستحيل، مما يصعب عملية البيع أو الشراء بدون معاينة.
- إغلاق مكاتب تسجيلات الأراضي بالسلطة القضائية.
- توقف عمل مكاتب التوثيقات القانونية والمحامين وهي ضرورية لإبرام عقود البيع والشراء.
ويضيف صلاح أنه "في ظل هذه الأسباب مجتمعة يصعب عمل سوق العقارات، لأن هناك حالة من الشلل التام ولا توجد أي أسعار في الوقت الراهن، ومع ذلك توجد بعض المعاملات تتم بشكل عرفي وأهلي".
انهيار محتمل
يقول المحلل الاقتصادي أحمد خليل لموقع "سكاي نيوز عربية" إن قطاع الاستثمار العقاري مهدد بالانهيار التام لعدة عوامل من بينها:
- صارت الأحياء الراقية في العاصمة الخرطوم مسرحاً للعمليات العسكرية وتعرضت للخراب فبالتالي ضاعت قيمتها السوقية.
- متوقع هروب المستثمرين إلى مدن سودانية أخرى أكثر أمنا أو إلى الخارج، مما يشكل ضربة قوية للقطاع.
- غياب التمويل المصرفي العقاري بسبب إغلاق البنوك الحكومية والتجارية.
- من المتوقع نقل المصانع والشركات الكبرى وتوزيعها على مناطق متفرقة في أنحاء السودان مما يؤدي لضربة إلى مركز العقارات في العاصمة الخرطوم.
ويرى خليل أن مستقبل الاستثمار العقاري في السودان والعاصمة الخرطوم على وجه الخصوص رهين بمدى الوصول إلى استقرار سياسي مستدام يعيد المواطنين إلى ديارهم، مشددا على أن هذا الأمر يعد مسألة ضرورية لعودة القطاع كوجهة جاذبة للمستثمرين المحليين والأجانب.