لا يزال تفاقم أعداد الوفيات بسبب التدخين يشكل هاجسا يؤرق السلطات والمنظمات الصحية في تونس، التي تحتل المرتبة الأولى عربيا في نسبة تعاطي التبغ، وفق إحصاءات أشرفت عليها منظمة الصحة العالمية.

وتعمل تونس منذ سنوات على سن قوانين جديدة وإطلاق حملات للتحذير من مخاطر التدخين، وذلك بهدف مكافحة ارتفاع نسب المدخنين التي تزايدت في أوساط المراهقين والشباب من الرجال والنساء على حد سواء، وصارت أحد أبرز العوامل التي تسبب حالات الإصابة بأمراض خطيرة مثل السرطان وضيق التنفس وغيرها.

وكشف حاتم بوزيان رئيس منظمة التحالف التونسي ضد التدخين، وهي منظمة أنشئت في مايو 2022 وتضم أكثر من 10 جمعيات طبية وعلمية ومدنية ومنظمات خاصة تعمل جمعيها على مكافحة تعاطي التبغ، أن الأرقام المفزعة التي تتعلق بعدد المدخنين في تونس تستوجب جهودا كبيرة للحد من نزيف الوفيات، التي يتسبب فيها التدخين بشكل مباشر.

أرقام مفزعة

• يقول بوزيان لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن "أرقام استهلاك التدخين وتداعياته الصحية الخطيرة مفزعة ومهولة، إذ أن نصف التونسيين من الرجال يتعاطون التبغ، وهذه النسبة ترتفع إلى 65 بالمئة في الفئة العمرية بين 25 و65 عاما، وهذه المؤشرات تضع تونس في المرتبة الأولى عربيا".

• بحسب بوزيان، فإن مؤشرات التدخين لدى النساء التونسيات غير دقيقة باعتبار أن الدراسات التي تقوم بها مكاتب الدراسات أو جمعيات مكافحة التدخين تتم أحيانا بحضور العائلة، والكثير من النساء تخفي استهلاكهن للتبغ لأسباب تتعلق بالعادات والتقاليد، لكن عدد النساء اللاتي يتعاطين السجائر في تونس مرتفع.

• يتسبب التدخين في وفاة أكثر من 13 ألف تونسي سنويا، بمعدل 30 إلى 40 حالة وفاة يوميا، من بينهم أكثر من 2600 شخصا فارقوا الحياة بسبب التدخين السلبي أو العيش مع مدخن في البيت أو المكتب أو غيرها من الأماكن.

• أكد بوزيان أن جمعيته أنجزت الإحصائيات بالتعاون مع وزارة الصحة وبدعم منظمة الصحة العالمية أواخر 2022، وخلصت إلى أن تونس الأولى مع الأردن ولبنان في نسبة المدخنين، لكن تونس الأولى في نسب الوفيات بسبب التدخين.

• يكشف رئيس التحالف التونسي ضد التدخين أن تداعيات ظاهرة استهلاك التبغ الاقتصادية وخيمة جدا، إذ تخسر تونس 2 بالمئة من الناتج الوطني الخام من جراء ارتفاع نسبة المدخنين، وذلك بسبب ارتفاع عدد أيام الغياب عن العمل واستيراد الأدوية الخاصة للعلاج من الأمراض التي يتسبب فيها التبغ.

• 50 بالمئة من المدخنين يموتون قبل سن 65 عاما بسبب التدخين، وهو السبب الرئيسي لسرطان الرئة، إذ أن 90 بالمئة من هذا النوع من الأورام سببه التدخين.

• يضيف بوزيان: "من المعلوم أن التدخين نوع من الإدمان، وكل ظاهرة إدمان تتطلب جهودا كبيرة وتواجه صعوبات أكبر للتعامل معها والخروج منها. نحن نعمل تحت إشراف منظمة الصحة العالمية وبالتعاون مع عشرات الجمعيات العلمية وغيرها لتقليص أعداد المدخنين في تونس، لكن هناك أطرافا أخرى علينا مواجهتها، وهي الشركات المصنعة للتبغ التي تحمل أهدافا تجارية وغايات ربحية".

نيوزيلندا تحظر التدخين على الجيل القادم

وتعتمد المنظمات الناشطة في سياق محاربة ارتفاع نسبة تعاطي التبغ على التوعية أولا ثم الردع، وذلك بسن قوانين تجبر الفضاءات العامة والخاصة على الانخراط في جهود مكافحة هذه الظاهرة بتخصيص أماكن منعزلة للمدخنين أو إلغاء تعاطي التبغ أصلا داخلها.

وفي سنة 2022، حققت تونس، بحسب رئيس التحالف التونسي، مكاسب كبيرة في حربها ضد ارتفاع نسب تعاطي التدخين، حيث أصبحت علب السجائر تحمل وجوبيا صورة لأمراض سرطان الرئة أو سرطان المثانة، مع عبارات تتضمن الإشارة إلى أن التدخين قاتل.

ودخلت العديد من الجمعيات المدافعة عن حقوق الطفل ضمن حملات مكافحة التدخين، وذلك بإطلاق حملات لمنع انتشار أكشاك ومحال بيع السجائر قرب المدارس والمعاهد والمؤسسات التعليمية، بهدف التقليص من سقوط الأطفال والمراهقين في خطر تعاطي السجائر.

أخبار ذات صلة

"الزطلة" تدخل آلاف التونسيين السجن.. ومطالب بتعديل تجريمه
أغاني الراب الجريئة.. كيف حصدت الشعبية في تونس؟

عيادات مجانية لعلاج الإدمان

وفي السياق ذاته، أنشأت تونس منذ سنوات عيادات خاصة أو داخل المستشفيات لعلاج إدمان السجائر، حيث يشرف أطباء متخصصون على استقبال مدمني التدخين وإخضاعهم لحصص علاج بغاية الإقلاع عن التدخين، وحققت هذه التجربة نجاحا لافتا بحسب بوزيان.

ومن جهة أخرى، تقول دنيا الغربي كيلاني وهي الطبيبة المشرفة على وحدة الإقلاع عن التدخين بإدارة الصحة العمومية الجهوية بالعاصمة تونس، والمختصة في التعامل مع المدخنين منذ أكثر من 20 عاما، إن "المخاطر التي تهدد المدخنين أكثر من أن توصف، حيث إن الظاهرة تحولت إلى ما يشبه الجائحة مما يستوجب قرع جرس الخطر، خصوصا بالنسبة للفئة العمرية التي تتراوح بين 12 و18 عاما، أي المراهقين والأطفال الذين لا يزالون يتحسسون أولى أنفاس السجائر غير واعين بما يشكله ذلك من خطر على صحتهم".

وتضيف لموقع "سكاي نيوز عربية": "من خلال تجربتي في أحد المستشفيات العمومية في تونس، هناك إقرار بأن التدخين خطر قاتل وأن العائلة هي اللبنة الأولى التي لا بد أن يبنى عليها أساس حماية الطفولة من الارتماء في بؤرة تعاطي السجائر".

وتقول المتحدثة: "تملك تونس كل الإمكانات للنجاح في حربها ضد ارتفاع نسبة المدخنين وما يفرزه من أضرار صحية واقتصادية وبيئية، لكن ذلك يستوجب إرادة قوية من العائلة لحماية النشء، وإجراءات متواصلة من الهياكل المتخصصة".