وسط زخات الرصاص ودوي المدافع، خرج محمد عبد القادر من منزله في ضاحية الثورة شمالي مدينة أم درمان، قاصدا إحدى المتاجر المجاورة يتلمس بعض احتياجاته الحياتية بعد نفاد مخزونه، لكنه اصطدم بشح شديد في بعض المواد التموينية، خاصة الخضروات واللحوم والخبز، وذلك بعد 3 أيام من الاشتباكات المسلحة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، التي تدور في العاصمة وعدد من المناطق السودانية.
وإن كان عبد القادر محظوظا لكونه لا يزال يحتفظ ببعض النقود التي ربما تغطي احتياجاته لأيام مقبلة، فإن صالح موسى (45 عاما)، نفد عنده المال والغذاء معا، وهو يقبع في منزله بمنطقة صالحة جنوبي أم درمان، في وضع إنساني قاس، ويعيش تحت رحمة مساعدات شحيحة من جيرانه وأقاربه.
يقول صالح موسى لموقع "سكاي نيوز عربية": "لم أحسب حساب هذه المعارك، لذا لم أتمكن من ادخار أي مبالغ أو مواد غذائية في منزلي، فأنا عامل بسيط في مطعم بأحد أسواق الخرطوم، ودخلي محدود يكاد يفي احتياجاتي ليوم واحد".
ويشير إلى أن عمله توقف إجباريا لثلاثة أيام بسبب المعارك، مضيفا: "هذه فترة طويلة لم اعتد عليها، إذ تجدني أعمل حتى في عطلات الأعياد".
ويتابع: "مكان سكني آمن نسبيا، مما يقلل المخاوف من أن نموت برصاص طائش كما حدث مع إخواننا في المناطق الملتهبة، لكن سيقتلنا الجوع والمرض إذا استمرت المواجهات العسكرية لأيام مقبلة. نسأل الله أن يوقف هذه الاشتباكات التي لن نحتمل طول أمدها".
ويوجه موسى رسالة لطرفي الصراع في السودان، قائلا: "رسالتي للقوات المتحاربة هي أن تحتكم لصوت العقل، رأفة بالمواطنين البسطاء".
رحلة البحث عن غذاء
من جانبه، يؤكد محمد عبد القادر، وهو موظف حكومي، أن المخابز في أم درمان خفضت طاقتها التشغيلية، وصارت تعمل لأوقات قصيرة خشية من نفاد مخزونها من الطحين، حيث انقطع الإمداد تماما.
والسبب في ذلك الانقطاع هو إغلاق الجسور النيلية والطرق الرابطة بين أنحاء الخرطوم، مما خلق حالة من الشح في الخبز، واضطر المواطنين للاصطفاف بغرض الحصول عليه.
ويقول لموقع "سكاي نيوز عربية": "اختفت الخضروات تماما من الأسواق، خاصة الطماطم، وهناك نقص في اللحوم الحمراء التي ارتفعت أسعارها، مما دفعني للجوء إلى مطاحن بلدية للحصول على كميات مقدرة من دقيق الذرة وادخاره في المنزل، تحسبا للمعارك التي ربما تطول أيامها".
ويجسد عبد القادر وموسى واقعا مأساويا يواجهه الملايين من سكان الخرطوم، الذين يكافحون للحصول على احتياجاتهم من المواد التموينية تحت زخات الرصاص ولهيب الاشتباكات العسكرية، التي دخلت يومها الثالث دون بروز أفق للحل.
"مأساة حقيقية".. لا مياه ولا كهرباء
وبالتزامن مع شح الغذاء، هناك أزمة حادة في مياه الشرب في مدن العاصمة الثلاث، الخرطوم وبحري وأم درمان، وذلك إثر تعطل محطات نيلية رئيسية نتيجة الاشتباكات العسكرية.
كما تعاني أحياء سكنية واسعة من انقطاع دائم في التيار الكهربائي على مدار 3 أيام، بسبب تأثر محولات كهربائية بإطلاق النار.
وتقول عبلة آدم من سكان مدينة بحري، لموقع "سكاي نيوز عربية": "نعيش مأساة حقيقة في الحصول على مياه الشرب، ونعاني أيضا من انقطاع التيار الكهربائي، لقد أصبحت اجسادنا مرتعا للبعوض وسخونة الطقس، والأسوأ من ذلك هو انهيار بعض شبكات الصرف الصحي".
نريد الماء بأي ثمن.. محمد الصادق من سكان شمال أم درمان
وبدوره، يشتكي محمد الصادق من سكان شمال أم درمان من الأزمات نفسها، ويقول لموقع "سكاي نيوز عربية": "3 أيام بلا ماء ولا كهرباء، وهذا أمر أنسانا الغذاء تماما، فنحن غير مهتمين به في الوقت الراهن".
ويتابع: "نأمل في عودة عاجلة للإمداد الكهربائي والمائي، فليس هناك أي مصدر للمياه بجوارنا، حتى العربات البدائية التي كنا نعتمد عليها في السابق اختفت تماما.. نريد الماء بأي ثمن".
لا قدرة على الوصول للمستشفيات.. وأوضاع صعبة بعد الوصول إليها
ويواجه سكان العاصمة أيضا أزمة صحية، في ظل عدم وجود ممرات آمنة للوصول إلى المستشفيات والمرافق الصحية، التي بدورها تواجه تدريا مريعا ونقصا حادا في الأدوية المنقذة للحياة، إلى جانب اكتظاظ بعضها بجرحى الاشتباكات العسكرية، وفق ما نقلت مصادر طبية لموقع "سكاي نيوز عربية".
وتوقفت وسائل النقل العامة تماما وسيارات الأجرة بعد إغلاق كافة محطات توزيع المواد البترولية في العاصمة، مما أدى لانعدام الوقود وصعوبة نقل المرض إلى المستشفيات.
"سيناريو مرعب"
ويرى المحلل الاقتصادي، أحمد خليل، أن استمرار الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، "سيقود إلى كارثة غذائية ومجاعة شاملة في العاصمة الخرطوم، والتي حتما ستؤدي لانفلات أمني وأعمال نهب بالشوارع والأسواق، وهو سيناريو مرعب نخشى حدوثه".
ويضيف لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "حوالي 75 بالمئة من سكان العاصمة الخرطوم، من الفقراء ومحدودي الدخل، ويعتمدون على دخل يومي من أشغال هامشية، مما يشير إلى أن توقفهم عن العمل لأكثر من يوم سيعرضهم لخطر الجوع، وهذا ما حدث بالفعل مع ملايين العائلات المتعففة".
كما يلفت إلى أن الاشتباكات "اندلعت في ظل أزمة اقتصادية طاحنة يعيشها السودان، تجلت في تراجع قيمة العملة الوطنية، وارتفاع معدلات التضخم، وعجز الدولة عن دفع دخول العاملين في الخدمة العامة".
ويستطرد: "هذه المواجهات العسكرية ستقود لانهيار اقتصادي شامل، مما يؤدي بدوره لتفاقم الوضع المعيشي للمواطنين، مما يستوجب تدخل المنظمات الإنسانية بشكل عاجل".
وعلى مدار 3 أيام، لم تنم العاصمة السودانية، وظل سكانها ساهرين مع أصوات الرصاص ودوي المدافع والطائرات التي تحلق في سمائها، بعد أن وصلت التوترات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لمواجهة عسكرية مفتوحة، مسرحها المدن الرئيسية في هذا البلد مترامي الأطراف.