أعاد إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية فقدان نحو 2.5 طن من اليورانيوم الطبيعي في ليبيا، الضوء على تركة "المشروع النووي" لنظام العقيد معمر القذافي، حيث لا تزال المواد المشعة المتروكة في صحراء البلاد تمثل خطرا "بيئيا وأمنيا" كبيرا.
واكتشف مفتشو الوكالة خلال عملية تفتيش في ليبيا، الثلاثاء الماضي، "اختفاء 10 أسطوانات" معبأة باليورانيوم الخام، دون الإشارة إلى مكان التخزين، إلا أن مصادر موقع "سكاي نيوز عربية" أكدت وجود المخزن في محيط مدينة سبها جنوب البلاد.
كواليس زيارات التفتيش
وبشكل غير منتظم، يزور مفتشو الوكالة مواقع تخزين "المخلفات" حيث سبقت تلك الزيارة الأخيرة، جولة تفتيشية كبيرة أخرى في شهر أكتوبر العام 2020، قام حينها الخبراء بمعاينة مخازن في المنطقة الجنوبية، وأخذ عينات مما تحتويه من مادتي "اليورانيوم" و"الوقود النووي"، وفق المصادر.
كما جمع لقاء بين وفد الوكالة وقيادات المنطقة العسكرية الجنوبية بالجيش الليبي، تناول مسألة تحسين حفظ المواد المشعة، وأساليب التأمين، خاصة أنه لا يمكن التخلص منها بالدفن، لأن ضررا سيلحق بالمخزون الجوفي من المياه بالمنطقة والجنوب عموما، الذي يمثل المصدر الرئيس للنهر الصناعي المغذي للمدن الليبية في الشرق والغرب.
اختبارات في فيينا
وتظل الأسئلة مطروحة بشأن المهام التفتيشية في ليبيا وطبيعتها وهدفها، إلا أن الوكالة رفضت الرد على مراسلة للحصول على مزيد من التفاصيل حول تلك الأنشطة، وفضلت عدم التعليق على الأمر مكتفية بالرد بأن تلك المهام تدخل تحت إطار "أنشطة التحقيق السرية"
ويشير الموقع الإلكتروني للوكالة إلى بروتوكول عمل المفتشين، حيث يجمعون عينات تحتوي على جسيمات الغبار في مرافق نووية ومواقع أخرى، باستخدام عملية تعرف باسم أخذ العينات البيئية، ويجرون اختبارات في فيينا لآثار المواد النووية، والتي تكشف بدورها معلومات حول الأنشطة الحالية والسابقة في تلك المرافق، والتحقُّق مما إذا كانت دولة ما تفي بالتزامها القانوني بعدم تحريف المواد النووية عن الأنشطة السلمية أو الانخراط في أنشطة نووية غير معلنة.
مخاوف أمنية
ومنذ عام 2011، مثل ملف "المخلفات النووية" شاغلا أمنيا كبيرا في ليبيا والعالم، خصوصا مع صعود التيارات المتطرفة والإرهابية، ونشاطات الميليشيات، حيث باتت هناك مخاوف من سقوطها تلك المخلفات في أياد غير آمنة.
وسبق أن تداولت وسائل إعلام محلية ودولية، في العام 2015، أنباء عن استيلاء مجموعة مسلحة عن "مواد كيميائية فتاكة"، تمشل غازي الخردل والسارين، من مخازن تقع فى تجاويف جبلية بمنطقة "مشروع اللوز" على الطريق بين منطقتى "بوجهيم" و"هون" وسط ليبيا، وقامت بإجراء "تجربة لاستخدامها" في حينه قرب بلدة مزدة الواقعة على بعد 160 كيلومترا جنوب العاصمة طرابلس.
"سلاح القذافي"
وبدأ البرنامج النووي الليبي سلميا، خلال ثمانينات القرن الماضي، قبل أن يتطور الأمر إلى محاولة صناعة سلاح نووي في العام 1995، كما يشير الخبير الليبي أبو القاسم عمر صميدة صاحب كتاب "الملف النووي الليبي والخروج بالورقة الحمراء"، الصادر في العام 2018.
وساعدت روسيا في تأسيس مفاعل نووي تجريبي بمدينة تاجوراء القريبة من الساحل، وفق صميدة كما منحت طرابلس 200 طن من اليورانيوم الجاهز كهدية، واستقدمت البلاد عالمين؛ هما الألماني إيميل شتاخي والسويسري فريدريك، حيث ساعد الأخير باكستان في مشروعها النووي.
وامتلكت الدولة الليبية 18 كيلوغرام من اليورانيوم الخاص بمفاعل تاجوراء، لكن هذه الكمية كانت مراقبة دوليا، وقيل إن المواد الخاصة بالمشروع النووي الليبي أنتجت في دول عدة مثل جنوب إفريقيا، وماليزيا، بعيدا عن أعين حتى مسئولي تلك الدول، كما جرى شراء جهاز "سيمانك 7" من الولايات المتحدة المهم بالنسبة لإنتاج السلاح، حسب صميدة، بالإضافة إلى جلب أجهزة الكمبيوتر "السوبر" من فرنسا، بعد عملية شاقة تضمنت نقلها إلى سويسرا أولا ثم إلى ليبيا.
توقف المشروع
وتمكنت ليبيا من تصنيع جهاز طرد مركزي عالي الدقة العام 2001، حسب صميدة، إضافة إلى وحدات صغيرة لتخصيب اليورانيوم كبديل عن المفاعلات النووية، ووصل التقدم في تلك الخطوات إلى درجة أنه كان هناك إمكانية لبدء صناعة القنبلة النووية بحلول العام 2002، إلا أن الأمر توقف بالكامل بقرار القذافي إنهاء المشروع وتسليم مكوناته لوكالة الطاقة الذرية.
وينفي صميدة توقف ليبيا عن مشروعها بسبب الغزو الأمريكي للعراق في العام 2003، كاشفا أن مفاوضات "تفكيك" المنشآت بدأت قبل هذا التاريخ بعام، حينها كان القائمون على المشروع يستعدون للاحتفال بإعطاء الإذن لهم لإنتاج اليورانيوم المخصب، إلا أنهم فوجئوا ببدء المفاوضات الليبية مع الغرب لإنهاء المشروع برمته.
يذكر أن القذافي أعلن في 19 ديسمبر 2003، أن ليبيا ستزيل طوعا جميع المواد والمعدات والبرامج التي يمكن أن تؤدي إلى أسلحة محظورة دوليا، بما في ذلك أسلحة الدمار الشامل والصواريخ الباليستية البعيدة المدى، وقدمت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة المساعدة في إزالة المعدات والمواد من برنامجها للأسلحة النووية، مع قيام الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتحقق بشكل مستقل.