رصد تقرير أميركي العقبات التي واجهت جهود توحيد مصرف ليبيا المركزي المنقسم منذ عام 2014، والتي انخرطت فيها واشنطن آخر سنتين.
وخلص التقرير الذي أعده معهد الشرق الأوسط للدراسات الأميركية، إلى أن هذه العقبات لن تُحل قبل إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، لتحديد شرعية المؤسسات ومتولي مناصبها، وهو ما اتفق فيه أستاذ الاقتصاد بجامعة بنغازي عطية الفيتوري، مشددا على أنه بدون "التوحيد السياسي" لن يتم أي توحيد آخر.
وعلى مدار سنة ونصف، التقى الباحثون في المعهد بصانعي السياسات الاقتصادية وصحفيين مختصين ورجال أعمال في 6 دول للحديث حول الملف، بجانب زيارتهم لليبيا ولقاءهم بمحافظ المصرف، الصديق الكبير، وأعضاء في مجلس الإدارة.
وسبق أن أقال مجلس النواب الليبي الصديق الكبير وسط اتهامات بمخالفات مالية، وفي عام 2022 طالب المجلس الحكومة بالاعتراف بعلي الحبري، رئيس فرع مصرف ليبيا المركزي في شرق ليبيا، محافظا عاما للبنك.
أما انقسام المصرف بين جزأين في شرق وغرب ليبيا؛ فنجم عن حرب شنتها المليشيات المتحكمة في الغرب ضد الجيش الليبي عام 2014، وأبعدته إلى الشرق، وسيطرت على مؤسسات الدولة في طرابلس.
صندوق أسود
يصف معدو التقرير المصرف المركزي بأنه "صندوق أسود"، والمؤسسة "الأكثر غموضا في ليبيا"، بعد أن منحه المجتمع الدولي نوعا من "السيادة والاستقلال" خلال الاضطرابات الأمنية.
ومُنح ذلك الامتياز في ظل وجود قيادات "مختلف عليها" من جانب الليبيين في شرق وغرب البلاد، وأضفت تلك الصفة "شبه السيادة" على شخوصهم.
العربة أمام الحصان
رعت بعثة الأمم المتحدة للدعم لدى ليبيا ودول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا جهود توحيد المصرف لم تثمر شيئا لاعتمادها على البيانات المقدمة من المصرف لشركات التدقيق المالية التي تولت مراجعة البيانات.
ويقول في ذلك أحد الخبراء لمعدي التقرير، إن الأمم المتحدة "حسبت أن التدقيق كان أفضل استخدام كطريق لإعادة التوحيد" بدلا من المساءلة، وكأنها "وضعت العربة قبل الحصان"، حيث لم يكن هناك مراجعة حقيقية لصحة البيانات.
أخطاء الكبير
تلاحق الكبير اتهامات باستجابته لتدخلات شخصيات تابعة لتنظيم الإخوان عرقلت جهود توحيد المصرف، وهم الشخصيات التي رفضت تغيير الكبير.
كما تربطه علاقات بالمليشيات المسلحة، واعتبر خبراء استطلع التقرير الأميركي آرائهم، أن ذلك من أسباب عدم كفاءة الإدارة.
السيولة والكتب المطبوخة
أبدت البنوك الأوروبية الكبرى قلقها بشأن تراجع الودائع في البنوك التجارية الليبية، وهو مؤشر ضار، حيث يجب أن تملك البنوك المحلية الغطاء المالي اللازم لإيجاد بيئة استثمارية للشركات الأجنبية الصغيرة إلى متوسطة الحجم.
وانتقد الخبراء البيانات الدورية التي يصدرها "المركزي" بخصوص الاعتمادات المستندية الخاصة بالإفراج عن النقد الأجنبي للمستوردين، ووصفوها بأنها "كتبا مطبوخة"، و"غير مجدية تماما" لتقييم الاقتصاد، فيما يحتاج المستثمر لـ"علاقات شخصية" داخل المصرف للحصول على الاعتماد.
الانتخابات أولا
يخلص التقرير إلى أن الشرعية الانتخابية ضرورية للإصلاح الشامل في الهياكل الاقتصادية، اللازم لإعادة توحيد البنوك، قائلا: "عكس ما تفكر الدوائر الغربية، فإن النهج المجرب والمختبر هو إجراء الانتخابات أولا، ثم تأتي الإصلاحات تباعا".
وهنا لفت لوجود أطراف متربحة من الفساد تقف عائقا أمام الانتخابات.
التوحيد السياسي
أستاذ الاقتصاد بجامعة بنغازي عطية الفيتوري يشدد بدوره على أن توحيد "المركزي" يتطلب وجود مؤسسات تشريعية وتنفيذية موحدة؛ ولذا "سيبقى الانقسام المالي طالما استمر السياسي".
ويتوقع أن إقالة الكبير هي أولى خطوات الإصلاح؛ حيث ستؤدي لفتح المقاصة بين البنوك شرقا وغربا، وتنحل مشكلة السيولة مع تنامي ثقة المستثمرين في المصرف بعد "تجفيف منابع الفساد" التي تسرب الأموال للميليشيات.