تواجه المواقع الأثرية الأردنية بين فينة وأخرى إعتداءات فردية من عابثين لا يقدرون القيمة الأثرية والتاريخية لها، تتمثل بكتابات على جدران هذه المواقع، مما أثار حفيظةً واستنكارا واسعين على وسائل التواصل الاجتماعي.

وتجرم القوانين الأردنية أي عبث في هذه المواقع وفقا للمادة 26 من قانون الآثار الأردني، والتي تنص على أنه "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة، ولا تزيد على ثلاث سنوات، وبغرامة مالية تصل لـ 3000 دينار (4225 دولار)، على كل من قام بإتلاف، أو تخريب، أو تشويه، أي آثار بما في ذلك تغيير معالمها أو فصل أي جزء منها أو تحويرها".

ويرى كثيرون أن هذه العقوبات أصبحت غير رادعة، نظرا لتكرارها في الآونة الأخيرة والتي كان أبرزها تشويه أحد الأعمدة الأثرية في مدينة جرش وجدران قصر المشتى وغيرها من المواقع الأثرية.

هل يمكن تشخيص تكرار الاعتداءات بالظاهرة؟

من جهته قال الخبير الاجتماعي الدكتور راكان العدوان، إن حوادث الاعتداء على المواقع الأثرية زادت وتيرتها في الآونة الأخيرة، وكان من أبرزها الاعتداء على أعمدة مدينة جرش الأثرية وقصر المشتى وغيرها العديد من المواقع، وهذا لا مجال لانكاره "لكن الأمر لم يتحول إلى ظاهرة".

وبيّن أن عدم اعتبار هذه الحوادث ظاهرة اجتماعية، لا يعني عدم مجابهتها بل إنه مجرد توصيف للحالة، فالاعتداء على المواقع الأثرية في النموذج الأردني يحمل طابع "السخافة والسذاجة" على حد وصفه.

وتابع "فنحن نشاهد خربشات لا معنى لها هنا وعبارات صبيانة هناك" بمعنى أنها لا تحمل طابعا عقائديا أو حتى مقاصد تخريبية، إذ كانت كما لاحظنا في غالبيتها محض تصرفات جاهلة، ومصدر جهلها نابع من الجهل بقيمة المواقع الأثرية التاريخية والوطنية".

وشدد على ضرورة تدابير إشراك المجتمع لحماية هذه المواقع عبر التوعية والتثقيف المجتمعي بقيمتها الحضارية والتاريخية والوطنية فهي شهادة الزمان ودليل الأصالة.

ما العلاقة بين آثار جرش و الكولوسيوم ؟

 

اعتداء على قصر أموي عمره 1280 عام

قال مدير عام دائرة الآثار العامة الأردني، الدكتور فادي بلعاوي، لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن قصر المشتى الواقع على بعد 30 كم جنوب العاصمة عمان، وهو قصر أموي بني عام 744-743م، تعرضت جدرانه للاعتداء بالكتابة بمواد متنوعة من "طلاء ورش".

وأضاف بلعاوي أن مثل هذه الاعتداءات واصفا إياها بالـ"السلوكيات الفردية" التي لا تمثل المجتمع الأردني، إلا أن تأثيرها ينعكس بشكل واضح، ويكلف الكثير من الوقت والجهد لإصلاح ما تم العبث به.

وأردف أن الدائرة عادة ما تتأنى كثيرا في علاج مثل هذه الحالات، لعدة اعتبارات منها، طبيعة مواد البناء الأثرية المتنوعة بين الحجر والطوب الحراري الأحمر والزخارف المنحوتة لهذه الجدران.

وتابع "لعلاج أي تشوه توجد طريقتان للعلاج، فإما الطريقة الميكانيكية وهي بعدة أنواع منها (القنص الرملي، والإزالة بالأدوات الطبية)، أو الطريقة الكيماوية وتتم هذه الطريقة عبر استخدام مواد مخصصة حسب المواد المستخدمة في الاعتداء وطبيعة الآثار التي تم الاعتداء عليها.

لا مجال للمغامرة!

وأكد بلعاوي، أنه لا مجال للمغامرة في إصلاح التشوهات في المواقع الأثرية، مبينا أن القطعة التي تُفقد لا يمكن استعادتها، ولذلك وبرغم الخبرة الواسعة لكوادر دائرة الآثار العامة الأردنية في التعامل مع مثل هذه الاعتداءات فإنها تقوم بمعالجتها على مراحل وفترات طويلة وعمل اختبارات مختلفة للتشوه، للحفاظ على القيمة الأثرية للموقع وعدم ترك أي أثر من شأنه إفقاد الموقع شيء من قيمته الأثرية.

أكثر من 100 ألف موقع أثري

وأشار بلعاوي في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، إلى أن الأردن يحتوي على أكثر من 100 ألف موقع أثري مكتشف، منها 15 ألف موقع مسجل ومدروس، و39 موقعا مصنفا كومقع سياحي.

ولفت إلى أن مشروع "المنظومة الأمنية" من أولويات وزارة السياحة والآثار الأردنية، وهو مشروع مشترك بين الوزارة ومديرية الأمن العام، يهدف لبناء سياج أمني وتركيب كاميرات مراقبة وبوابات الكترونية، على أهم المواقع الأثرية السياحية في الأردن، وسيتم تنفيذه على فترة زمنية تبلغ 3 سنوات لحماية المواقع الأثرية والسياحية من الاعتداء أو التشويه.

بالإضافة إلى مشروع توعية يهدف إلى توعية المجتمع بضرورة الحفاظ على الآثار العامة من العبث والمسؤولية الاجتماعية تجاهها، من خلال تدريب 100 موظف يوزعون على امتداد المملكة، للتواصل مع المجتمع المحلي من خلال المدارس ولقاءات المجتمع المحلي في المواقع الأثرية.

يجدر الذكر أن الأردن يضم 6 مواقع مسجلة على قائمة التراث العالمي، ومن أبرزها مدينة البتراء النبطية إحدى عجائب الدنيا السبع، بالإضافة إلى موقع أم الجمال الأثري والذي تم تقديم ملفه إلى اليونيسكو لغايات ضمه إلى القائمة كسابع المواقع الأثرية الأردنية.

أخبار ذات صلة

صناعة الجلود يدويا في الأردن.. إرث يكاد أن يختفي
إدراج مدينة أردنية على قائمة التراث العالمي