تشتهر المدن السودانية العريقة مثل مدينة أم درمان شمال العاصمة الخرطوم، بأسواق تقليدية ظلت تقاوم محاولات التحديث وتحافظ على نمطها القديم.
وتوجد تلك الأسواق في مناطق مثل ود مدني في وسط السودان وكسلا في الشرق والأبيض في غرب البلاد.
وبمجرد الدخول إلى تلك الأسواق، تجد نفسك وسط مجموعة من الباعة الذين يفترشون الأرض ويعرضون سلعا شعبية تشمل أدوات الطبخ الخشبية والمكانس المصنوعة من أعشاب ومواد محلية وغيرها من السلع التي استبدلت بأجهزة وأدوات كهربائية حديثة تعرض في متاجر صممت بآخر تقنيات الديكور العالمية، في أسواق أخرى تقع على بعد أمتار قليلة من تلك الأسواق القديمة.
سوق أبو روف
يقع سوق أبو روف على الضفة الغربية بالنيل الأبيض في مدينة أم درمان؛ العاصمة الثقافية للسودان، والتي تشكل أحد أضلاع العاصمة السودانية المثلثة - الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان.
وظل السوق لنحو قرن من الزمان يكتسب بعدا تاريخيا جعله محط أنظار الباحثين و المؤرخين، لما يحتويه من منتجات تقليدية نادرة وحرف أسهمت كثيرا في عكس ثقافة البناء في السودان، إلى جانب الفخار ومستلزمات تجميل المراة السودانية المنتجة من أخشاب ومواد محلية.
ويقول أبو بكر مصطفى، أحد قدماء منطقة أبو روف ومؤرخيها لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن سوق أبو روف يمثل لكثير من سكان مدينة أم درمان ذاكرة المكان التي لم تنجح في محوها المتغيرات والتحولات الكثيرة التي حدثت خلال الفترة الأخيرة.
وبالنسبة لمصطفى وغيره من العارفين بتاريخ المنطقة، فإن سوق أبو روف لم يكن مجرد مكان لعرض السلع بل كان ساحة للمعارف التقليدية التي تعكس كافة أشكال التعبير الثقافي التقليدي المرتبطة بحياة الناس وبيئتهم كالرسوم والنقوش الفنية وصناعة الفخار والنحت على الأخشاب.
وكان سوق أبو روف مصدرا رئيسيا للمنتجات التي تستخدم في الصناعات السودانية التقليدية، ويقول الحاج محمد علي أحد العاملين في السوق منذ أكثر من 50 عاما لموقع "سكاي نيوز عربية"، "توجد في السوق منطقة كانت مخصصة لبيع حطب الحريق المخصص في صناعة الفخار، وكذلك أخشاب صناعة القوارب ليتم لاحقاً إضافة ابيع الفخار والمباخر وغيرها.
سوق أبو جهل
يعتبر سوق "أبو جهل" في مدينة الأبيض بغرب البلاد واحدا من أقدم الأسواق الشعبية، وهو من أكبر وأقدم الأسواق السودانية والعربية في مجال بيع المنتجات الزراعية البلدية مثل "التبلدي" و"القضيم" و"الكركديه" و"البهارات" وغيرها من المحاصيل والمنتجات التي تستخدم في الغذاء والعلاج، إضافة إلى سروج الدواب والمنتجات الجلدية والحبال والسلال والمفارش المصنوعة من زعف الأشجار المحلية والمعروفة باسم البروش.
ووفقا لإحدى الروايات القديمة، فإن تسمية سوق أبو جهل بهذا الاسم تعود إلى لقب أطلقته إحدى البائعات على رجل كان يشرف على تنظيم السوق وكان يتميز بنوع نادر من القوة.
ويعرف هذا السوق أيضا باسم سوق "العوين" وهي كلمة دارجية تستخدم في غرب السودان وتعني النساء، لأن أكثر من 90 في المئة من الباعة فيه من النساء المتقدمات في العمر.
وتوجد بالسوق زاوية خاصة بالحرفيبن الذين يصنعون العديد من أدوات الزراعة والمنتجات المنزلية التي تستخدم في الطبخ والغسيل إضافة إلى المراكيب والأحذية التي تصنع من الجلود المحلية.
نكهة خاصة
على الرغم من تشابه الأسواق القديمة في المدن السودانية التاريخية، إلا أن للسوق "العثماني" في مدينة كسلا في شرق السودان نكهة خاصة تختلف عن الأسواق الأخرى.
وسمي السوق العثماني بمدينة كسلا بهذا الاسم، لأنه أنشئ في عهد الدولة العثمانية في العام 1840.
وتعكس منتجات هذا السوق ثقافة أهل شرق السودان، حيث يشتهر بتجارة المنتجات الجلدية والأزياء الشرقية المحلية الفضفاضة والسيوف التي تعتبر جزءا من تراث أهل المنطقة الذين يحرصون على حمل السيف حتى يومنا هذا، ويعتبرونه جزءا مكملا للباسهم التقليدي عند الخروج من المنزل.
ارتباط وجداني
وترى الباحثة في الفولكلور بمعهد الدراسات الأفريقية والآسيوية، آيات مبارك، إن للأسواق القديمة ارتباطا وجدانيا كبيرا بالسودانيين، مما يستوجب المحافظة عليها ومنع اندثار ملامحها القديمة، لأنها تشكل مرجعاً تاريخيا هامة لذاكرة المدينة القديمة.
وتقول مبارك لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن بعض السلع التقليدية في الأسوق القديمة لم تكن وليدة البيئة المحلية فقط بل ارتبطت بكافة أشكال التبادل التجاري القائم آنذاك.