شيع مئات الموريتانيين الثلاثاء، جثمان الناشط الحقوقي الصوفي ولد الشين، بعد أيام على موته داخل مخفر للشرطة على ذمة التحقيق في منطقة دار النعيم بالعاصمة نواكشوط، والتي سرعان ما تحولت إلى قضية رأي عام.

واكتظت ساحة مسجد بن عباس في نواكشوط، بالمئات من سكان المدينة، للصلاة على الضحية الذي أثارت قضية وفاته تضامنا كبيرا من المجتمع بكل شرائحه، كما لاقت تفاعلا على منصات التواصل الاجتماعي تطالب بضرورة تقديم الجناة بسرعة إلى العدالة من أجل تكريس السكين.

وشهد محيط مستشفى الشيخ زايد منذ ساعات الصباح الأولى، إجراءات أمنية مشددة، فقد طوقت سيارات من شرطة مكافحة الشغب محيط المستشفى، أمام تجمهر عشرات المواطنين، في انتظار نقل جثة الناشط القتيل.

بداية القضية

بدأت القصة ليل الخميس الماضي بمركز شرطة "دار النعيم2" بنواكشوط، بعد اقتياد الصوفي جبرل سومامي، المعروف باسم الصوفي ولد الشين من طرف عناصر شرطة من منزله، قبل إعلان وفاته في الليلة ذاتها بمستشفى الشيخ زايد.

وقال شقيقه ختار ولد الشين، إنه لحق الصوفي إلى المفوضية ومُنع من لقائه، قبل أن يتفاجأ بخبر وفاته بعد نحو ساعة.

وانتشرت صور له من المستشفى تظهر كدمات في معصميه ونزيفا دمويا، ما أثار ضجة كبيرة وغضبا في الرأي العام.
وفي صبيحة اليوم الموالي، تداولت وسائل الإعلام المحلية القصة، وظهر أفراد من عائلته يطالبون بالكشف عن ملابسات القضية.

ومع ضغط التواصل الاجتاعي أصدرت إدارة الأمن الوطني بيانا، أرجعت فيه أسباب نقله إلى المستشفى لوعكة صحية، مشيرة إلى أنها ستفتح تحقيقا قضائيا بشأن الأمر.

وأجج بيان إدارة الأمن غضب الشارع الموريتاني، مطالبا بتدخل الرئيس من أجل محاسبة المسؤولين.

أوامر رئاسية

وفي اليوم ذاته، أعطى الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني تعليماته لوزير الصحة بقطع إجازته للإشراف على تشكيل فريق لتشريح جثمان الصوفي بحضور بعض ذويه، وتحت إشراف الادعاء العام، ومن ثم إطلاع الرأي العام على مجريات التحقيق.

كما أرسل الرئيس ولد الشيخ الغزواني وفدا حكومية إلى عائلة الراحل لتقديم واجب العزاء.

وفي اليوم الموالي، استيقظ محيط المفوضية التي توفي بها الصوفي على احتجاجات، شارك فيها العديد من المواطنين، قبل أن تفرقهم الشرطة بالغاز المسيل للدموع.

وأصيب خلال أحداث الشغب عدد من المواطنين وبعض الإعلاميين وعنصر أمن.

وفي المساء، أعلن وزير الصحة بدء عملية تشريح جثمان الراحل، بمباشرة الثلاثة المتخصصين فى الطب الشرعي و التشريح بمستشفى الشيخ زايد، وبحضور بعض من أفراد عائلته.

جدل بعد نتائج التشريح الطبي

وفي وقت متأخر من ليل السبت، عقد وكيل الجمهورية بولاية نواكشوط الشمالية محمد الأمين باري لقاءً صحفيا بالمستشفى حيث أوضح خلالها أن النتائج الأولية تشير إلى أن الصوفي قد يكون مقتولا بواسطة الخنق، أو بسبب كسرين في فقرة العنق.

وبعد نشر نتائج التشريح الطبي النهائية، اندلع الجدل من جديد بعد تصريح لشقيق الراحل، أكد فيه عدم شفافية التحقيق.

لكنه تراجع بعد ذلك عن تصريحه، موضحا أنه لم يفهم في البداية المصطلحات التي أوردها التقرير.

وخلص التقرير الطبي، إلى أن الصوفي قد يكون توفي بسبب الخنق.

أخبار ذات صلة

موريتانيا.. جدل بشأن محاكمة الرئيس السابق وأركان حكمه
موريتانيا تودع أحد أبرز أعلامها.. محمد المختار ولد اباه

احتجاجات مصاحبة

وكيل الجمهورية ولاية نواكشوط الشمالية القاضي محمد الأمين باري، عاد ليؤكد يقينه بأن الصوفي ولد الشين قتل بالعنف في "مركز شرطة دار النعيم 2".
و أكد أن المشتبه بهم قيد التحقيق وسيقدمون للعدالة في أقرب وقت ممكن، مضيفا أن النيابة "توصلت للحقيقة".

وعرفت مناطق عدة من العاصمة نواكشوط احتحاجات مطالبة بـ"القصاص من الجناة" وتقديمهم للعدالة.

وأضرم المتظاهرون النار في بعض الإطارات على الطرق الرئيسة، ورشقوا الحجارة على السيارات والمحال التجارية، ما استدعى تدخل الشرطة والدرك لفض الاحتجاجات، قبل أن يعود الهدوء ليلا.

جدل جديد

وتزامنا مع دفن الضحية، عاد الجدل مجددا لساحة النقاش في الإعلام ومواقع التواصل، بعد نشر وثائق مركز الشرطة الذي كان محتجزا فيه. وتضمنت الوثائق شكاوى ضد الصوفي قدمها شخص يدعى "آبو دمبا فال" في الثالث من فبراير الجاري، بشأن مطالبته إياه بإرجاع مبلغ مالي في حدود 2200 دولا، وما أعقبه استدعاء الشرطة له للتحقيق معه بشأن الشكوى المرفوعة ضده.

لكن بعض ناشطي المعارضة يتهمون الأمن باستهداف الصوفي ولد الشين نتيجة لموافقه المناوئة للسلطة.

وذكر التقرير أن محاولة إجبار ولد الشين أدت إلى "إعيائه بدنيا ووفاته لاحقا بعد نقله إلى مستشفى الشيخ زايد".
وذكر التقرير أن ولد الشين وُضع قيد الحراسة النظرية بأمر من المفوض، نفذه رقيب الشرطة القضائية أحمد محمد.

اعتبر بعض المعلقين أن نشر الوثائق ينافي بيان إدارة الأمن الوطني، الذي تحدث عن وعكة صحية، كما يناقض نتائج التشريح الطبي الذي أرجع وفاة الصوفي إلى الخنق.

هذا وينتظر الشارع الموريتاني نتائج التحقيق القضائي، لمعرفة أسباب الوفاة ومثول الجناة أمام العدالة.