تشهد العلاقات الجزائرية الفرنسية فصلا جديدا من التوتر، وذلك على خلفية خروج مواطنة جزائرية بطريقة غير شرعية، يفترض، حسب القضاء الجزائري، تواجدها بالجزائر.
ويتعلق الأمر بالناشطة الجزائرية المعروفة أميرة بوراوي، التي تمكنت من الخروج من الجزائر بطريقة "غير شرعية"، واتجهت إلى تونس قبل أن يتم إجلاؤها إلى فرنسا، وهو ما دفع الجزائر، لاستدعاء سفيرها لدى باريس، سعيد موسى، للتشاور.
وأصدرت الخارجية الجزائرية بيانا شديد اللهجة، عبرت فيه عن رفضها القاطع لما أسمته، "عملية الإجلاء السرية وغير القانونية لرعية جزائرية يعتبر تواجدها على التراب الوطني ضروريا بقرار من القضاء الجزائري".
وأكد رئيس المجلس الشعبي الوطني، إبراهيم بوغالي، أن غضب الجزائر "راجع لمشاركة دبلوماسيين وقنصليين ورجال أمن فرنسيين في تهريب الرعية الجزائرية".
وقد حركت القضية العديد من الأطراف الجزائرية، وعلى رأسها حزب جبهة التحرير الوطني، الذي أصدر هو الآخر بيانا وصف فيه العملية بـ"التصرف غير المسؤول، وغير محسوب العواقب والذي من شأنه رهن الجهود التي بذلت من أجل ترقية العلاقات الثنائية بين الجزائر وفرنسا".
وإلى غاية كتابة هذه الأسطر، لم يأت أي توضيح أو رد من طرف السلطات الفرنسية.
من الناحية القانونية
ومن الناحية القانونية، يلخص المحامي الجزائري حسان براهيمي لموقع "سكاي نيوز عربية"، الأسباب القانونية التي تبرر الغضب الجزائري، فيما يلي:
- حماية فرنسا للرعية الجزائرية بهذه الطريقة، فيه خرق للاتفاقية القضائية المبرمبة بين البلدين سنة 1964 والمراجعة سنة 2019 والتي لا تسمح بإيواء الهاربين من العدالة للدولة الثانية.
- تهريب بوراوي بتلك الطريقة يعد اعتداء صارخا على السيادة الجزائرية، وهو ما يطرح فرضية حيازتها على جواز سفر مزور.
- أعوان الدولة الفرنسية الذين أشرفوا على تهريبها يعلمون أنها محل منع من السفر ورغم ذلك سمحوا لها بالخروج وسهلوا لها المهمة.
- لا يمكن التحجج بالجهل في الحالة، نظرا لأنها شخصية معروفة للعام والخاص.
- لا يمكن أن تكون ردة فعل الجزائر الحادة، مبنية على احتمالات، وإنما على حقائق، وهو ما يستلزم من السلطات الفرنسية توضيح موقفها بدقة وتحديد حيثيات القضية في أقرب وقت.
من جهته، يرى المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان أحمين نور الدين، أن قضية بوراوي معقدة وتم تعقيدها أكثر بهذا التصعيد.
ويرصد أحمين لموقع "سكاي نيوز عربية"، أوجه الخلاف في هذه القضية فيما يلي:
- هذا التصعيد مبالغ فيه، لأن هناك احتمالا كبيرا لحمل المتهمة للجنسية الفرنسية بشكل قانوني وشرعي.
- يحق للدولة الجزائرية إصدار أمر بالقبض الدولي عن طريق الإنتربول ضد المتهمة، من دون إشعال أزمة دبلوماسية.
- لقد مضى وقت طويل على صدور حكم منع بوراوي من السفر، وهو حكم قابل للتجديد مرة واحدة، ما يوحي بوجود أسباب سياسية أخرى وراء هذا التصعيد.
الانعكاسات السياسية للقضية
وتأتي هذه التطورات بعد أيام قليلة من إعلان الرئاسة الجزائرية عن زيارة رسمية للرئيس عبد المجيد تبون إلى باريس شهر مايو القادم.
وتوصف العلاقات الجزائرية الفرنسية منذ استقلال الجزائر عام 1962 إلى يومنا هذا بـ"المترنحة".
ووصفها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في إحدى تصريحاته، بـ"قصة الحب التي لم تخل من المأساة".
ولا يتوقع الدبلوماسي الجزائري السابق مصطفى زغلاش أن تؤثر هذه الأزمة بشكل كبير على العلاقات بين البلدين.
وحدد زغلاش مستوى تأثير قضية بوراوي على العلاقات الجزائرية الفرنسية، لموقع "سكاي نيوز عربية"، فيما يلي:
- ما يجمع البلدين أكثر مما يفرقهما وهذه الأزمة ما هي إلا سحابة صيف عابرة، لن تتسبب في إلغاء أو تأجيل زيارة تبون إلى فرنسا.
- وفق الأعراف الدبلوماسية، فإن الجانب الفرنسي القنصلي قام بواجبه في تونس، وقد تدخل لحماية رعية تحمل جواز سفر فرنسيا تواجه مشاكل خارج وطنها.
من هي بوراوي؟
برز اسم الطبيبة أميرة بوراوي كأحد أبرز الناشطين السياسيين في حركة "بركات" عام 2014 التي أعلنت رفض العهدة الرابعة للرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة. وقد تمت متابعتها قضائيا عدة مرات في السنوات الأخيرة، ودخلت على إثرها السجن.
وأبرز القضايا التي تمت متابعتها بشأنها: إهانة هيئة حكومية ورئيس الجمهورية، وتوزيع منشورات من شأنها المساس بالأمن العام، والمساس بالمعلوم من الدين والاستهزاء ببعض الأحاديث النبوية.
وقد تم منعها من مغادرة التراب الوطني، مع حجب جواز سفرها، قبل أن تتمكن من الهروب إلى تونس ومنه إلى فرنسا، حيث تتواجد حالياً.
ويستبعد خبراء قانون والسياسية،أن تقوم فرنسا بتسليمها إلى الجزائر في هذه الحالة.
وأوضح المحامي الجزائري سليمان فاروق لموقع "سكاي نيوز عربية" أن الاتفاقية القضائية الموقعة بين البلدين تمنع تسليم المتابعين قضائيا في قضايا ذات طابع سياسي أو حرية التعبير.
وتنظر فرنسا إلى القضايا التي تتابع فيها بواروي في الجزائر، باعتبارها متابعات ذات طابع سياسي.
ويستشهد المحامي الجزائري بالعديد من الحالات التي رفضت فرنسا تسليمهم إلى الجزائر رغم عدم حيازة بعضهم على الجنسية الفرنسية.