شهدت الساحة السياسية في تونس موجة من الجدل وردود الأفعال على منصات التواصل الاجتماعي والمواقع الإعلامية وذلك بعد نشر أحد مكاتب استطلاعات الرأي وسبر الآراء نتائج سبر للآراء حول نوايا تصويت الناخبين قبل الدور الأول من الانتخابات الرئاسية في تونس والمقررة في أكتوبر 2024.
وتوالت ردود الأفعال التي تراوحت بين التعبير عن الغضب والسخرية من المترشحين للانتخابات الرئاسية، فيما توجهت الاتهامات نحو مكتب "سيغما كونساي"، الذي يعد أبرز مكاتب الدراسات وشركات سبر الآراء واستطلاعات الرأي في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والاستهلاكية في البلاد.
وحملت نتائج نوايا التصويت التي أجراها مكتب الدراسات حول سؤال: لمن سيصوت الناخبون في تونس خلال الانتخابات الرئاسية؟ عديد المفاجآت وذلك بوجود مغني الراب التونسي المغترب في الولايات المتحدة "كادوريم" في المركز الثالث مما اعتبره خبراء وملاحظون توجيها مقصودا للناخبين ودعاية ممنهجة للمغني التونسي فضلا عن اتهامات لمكتب "سيغما كونساي" بمحاولة التأثير على الناخبين وصناعة سياسيين مزيفين بفضل نوايا التصويت المغلوطة.
سبر آراء ممنهج
وكشفت النتائج التي قدمها رئيس مكتب الدراسات، حسن زرقوني في مؤتمر صحفي، عن تصدر الرئيس الحالي قيس سعيد نوايا التصويت في الانتخابات الرئاسية المقبلة في تونس وذلك بنسبة 49.4 بالمائة من إجمالي نوايا التصويت.
وحل النائب في البرلمان المنحل والكاتب السياسي صافي سعيد في المركز الثاني، بنسبة 10.3 بالمائة لكن المفاجأة الكبرى تمثلت في وجود المغني المغترب في أميركا، كريم الغربي، المعروف بـ"كادوريم" في المرتبة الثالثة بما يناهز 5.9 بالمائة وهي مرتبة متقدمة جدا قياسا بوجود بعض المرشحين في مراكز متأخرة مثل رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، والرئيس الأسبق المنصف المرزوقي ورئيس الوزراء السابق إلياس الفخفاخ وغيرهم.
وفجرت تلك النتائج موجة من الجدل ذهبت حد التهكم والسخرية في منصات التواصل فيما اعتبر عدد من الملاحظين والخبراء بأن تلك الأرقام تشكل خطرا حقيقيا على مسار الانتخابات ونزاهتها وشفافيتها خصوصا أن مكاتب سبر الآراء واستطلاعات نوايا التصويت تحولت من مهمة "الإحصاء" وسبر الآراء إلى تحويل بعض الأشخاص العابرين إلى مؤثرين ومرشحين ليكونوا رموزا للسياسة وقادة للرأي.
وفي السياق ذاته، طرحت النتائج المعلن عنها شكوكا جدية حول سير العملية الانتخابية وحول نزاهة فرز الأصوات، فيما اعتبر آخرون أن مجرد وجود مغني راب مغمور وغير مقيم في تونس ضمن أكثر ثلاثة أشخاص مرشحين لزعامة البلاد يعد تحويلا ممنهجا لتوجهات الناخبين.
وأعلن حسن الزرقوني، رئيس مؤسسة "سيغما كونساي" لاستطلاعات الرأي، أن "نسبة رضا التونسيين على أداء الرئيس قيس سعيد بلغت 58 بالمائة، مضيفا أن سعيد تصدر ميولات التونسيين السياسية وكان المرشح الأوفر حظا للتصويت له خلال الانتخابات الرئاسية القادمة وجاء في المرتبة الثانية الناشط السياسي صافي سعيد ثم مغني الراب "كادوريم".
وحول ظهور الأخير في مركز متقدم في نوايا التصويت في الانتخابات الرئاسية المقبلة، قال الزرقوني، في تصريحات صحفية: "التونسيون هم من عبروا عن ميولاتهم، ولا يمكن إخفاء ذلك، هذه آراؤهم وكل من يشكك في نتائج الشركة ونزاهة أرقامها فكلامه مردود عليه."
وأوضح أن مؤسسة "سيغما كونساي" اقترحت قائمة تضم 25 شخصية، استنادا على استطلاعات رأي سابقة ولم تعمد إلى الزج بأسماء دون أخرى في قائمة الاستبيان".
ويشار إلى أن المتحدث عقد مؤتمرا صحفيا للإعلان عن النتائج، وذلك في وقت نظمت فيه رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي وقفة احتجاجية لأنصار الحزب للإعلان عن رفضهم لنتائج سبر الآراء ومحاولة مكتب الدراسات توجيه التونسيين وفق غايات سياسية مكشوفة وفق تعبيرها.
وفي المقابل اعتبرت السياسية ألفة الحامدي أن وجودها ضمن العشر الأوائل في نوايا التصويت يعد تأكيدا للثقة التي تحظى بها من قبل التونسيين وذلك في تدوينة على حسابها على تويتر.
خدمة مجانية لأطراف مجهولة
وتعليقا على الجدل الدائر في الأوساط السياسية والإعلامية، قال المحلل السياسي والكاتب الصحفي ماجد برهومي في تصريحات لموقع سكاي نيوز عربية إن "هناك كثيرين انسحبوا من الحياة السياسية التي لا تشجع الكفاءات على الإنخراط في السياسة، وبالتالي فإن الناخب لا يلام بما أن المتوفر من الخيارات لا يشفي الغليل ويضع البعض أمام ضرورة البحث عن ضالته في أمثال المغني أو غيره من الأسماء المغمورة سياسيا".
وتابع برهومي في حديثه للموقع: "يوم تترك السياسة لأهلها وتنتهي هذه الفوضى العارمة قد يجد الناخب التونسي خيارات أفضل لتحميلها مسؤولية إدارة شؤون البلاد".
وبحسب المحلل فإن وجود مغني الراب في مواقع متقدمة في استطلاعات الرأي بشأن الانتخابات الرئاسية القادمة يفسر بأنه دليل على عدم نضج الناخب التونسي الذي ينساق وراء الشعارات الشعبوية على غرار ما حدث مع صعود حركة النهضة الإخوانية في 2011 لسدة الحكم بشعار أنها ستدافع عن الإسلام والحال أنها لم تقدم أي مشروع سياسي وتنموي واقتصادي طلية سنوات حكمها بحسب قوله.
وفي المقابل نفى الصحفي والخبير السياسي هشام الحاجي، أن "تكون مؤسسة سيغما كونساي قدمت أرقاما مغلوطة وسعت إلى توجيه الرأي العام والدعاية لأطراف وأحزاب معينة لغايات سياسية، لكن تلك النتائح تعكس بوضوح خيبة أمل التونسيين في الطبقة السياسية الراهنة وحالة الإحباط التي يعيشها الشعب".
وقال حاجي لموقع سكاي نيوز عربية: "النتائج الواردة في استطلاعات الرأي ونوايا التصويت خدمت بشكل واضح الأسماء المغمورة وأوجدتها على الساحة بل قدمت لها خدمة مجانية، لكن الجانب الخفي أن شعور التونسيين بخيبة الأمل في من تولوا زمام الحكم هو العامل الأساسي وراء التصويت لمرشحين برزوا بأعمالهم الخيرية وأنشطتهم الاجتماعية مثل مغني الراب كريم الغربي وذلك في غياب مرشحين يحملون مشروعا سياسيا".