واصلت القوى المدنية السودانية الموقعة على الاتفاق الإطاري ومجموعات كبيرة تضم أكثر من 400 من الخبراء وأصحاب المصلحة نقاشات متعمقة؛ الأربعاء؛ حول اتفاق السلام الموقع بين الحكومة وعدد من الحركات المسلحة في أكتوبر 2020؛ في ظل رفض حركتي جبريل إبراهيم ومني اركو مناوي التي هددت بالعودة إلى الحرب.

وتأتي ورش مناقشات اتفاق السلام كجزء من 5 قضايا تسعى الأطراف السودانية لحسمها تمهيدا للوصول إلى اتفاق نهائي لنقل السلطة للمدنيين؛ وفقا لما نص عليه الاتفاق الإطاري الموقع بين الجيش وعدد من الأحزاب والكيانات السياسية في الخامس من ديسمبر 2022؛ والذي يمهد لنقل السلطة للمدنيين ويحظى بدعم دولي واسع.

وتشمل القضايا الخمس إضافة إلى اتفاق السلام؛ الإصلاح الأمني والعسكري والعدالة وشرق السودان وتفكيك تمكين نظام الإخوان الذي حكم البلاد ثلاثين عاما قبل أن تطيح به ثورة شعبية في أبريل 2019.

ووسط انتقادات كبيرة من السودانيين للنتائج التي تمخضت عن اتفاق السلام خلال العامين الماضيين؛ تقول أطراف الاتفاق الإطاري إنها تسعى للوصول إلى مقررات تتيح تنفيذ الاتفاق بالشكل الأمثل الذي يضمن تحقيق السلام الحقيقي على الأرض.

وأوضح خالد عمر يوسف؛ الوزير السابق في الحكومة المدنية المقالة والناطق الرسمي باسم العملية السياسية؛ إن مناقشات اتفاق السلام تهدف لتوسيع قاعدة المناقشة الوطنية حول كيفية تعزيز وبحث أسباب تعثر استكمال السلام مع الحركات المسلحة التي لم توقع على اتفاق جوبا؛ والخروج بتوصيات تشكل أساس النصوص التي سترد في الاتفاق السياسي النهائي وخارطة طريق تُعين الحكومة المدنية الانتقالية على تنفيذ السلام واستكماله.

أخبار ذات صلة

السودان.. خطر الانهيار يحاصر أكبر مشروع "انسيابي" في العالم
السودان..لماذا تراجعت "الكتلة الديمقراطية" عن تأييد الإطاري؟

لكن في الجانب الآخر؛ ترفض حركتي جبريل إبراهيم ومناوي اي محاولات لمناقشة اتفاق السلام أو السلبيات الناجمة عنه؛ وهددت الأخيرة في بيان الأربعاء بالعودة إلى الحرب؛ معتبرة أن مناقشة الاتفاق تعني تعديله دون مشاركة بعض أطرافه الأساسية مما يؤدي إلى العودة إلى الحرب؛ فيما قالت حركة جبريل إن ورش لمناقشات الحالية تقوم على أساس تعديل الاتفاق؛ معتبرة أن ذلك يشكل خرقا صريحا للاتفاق نفسه.

وبالتزامن مع انطلاق المناقشات؛ أكدت دول الترويكا المكونة من النرويج والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية دعمها ورش مناقشة اتفاق السلام والتزامها الكامل بالاتفاق الإطاري الذي قالت إنه يشكل الأساس الذي يمكن عليه إنشاء حكومة جديدة بقيادة مدنية تقود السودان بفترة انتقالية تؤدي لانتخابات حرة ونزيهة.

وحذرت الترويكا في بيان من خطورة عدم التنفيذ الفاعل والسريع لاتفاقية السلام؛ مشيرة إلى تحقيق مستقبل مستقر ومزدهر في السودان يتطلب معالجة الأسباب الجذرية للصراع وتمكين جميع شعوبه بطريقة عادلة.

وعلى الرغم من مشاركة عدد من الحركات الموقعة على اتفاق السلام مثل حركتي الهادي إدريس والطاهر حجر؛ إلا أن غياب حركتي جبريل إبراهيم ومناوي أثار جدلا كبيرا.

ويرفض إبراهيم ومناوي الانضمام للاتفاق الإطاري حتى الآن بحجة أنه لا يشمل كافة الأطراف؛ لكن شهاب طه القيادي في قوى الحرية والتغيير وحزب التحالف السوداني الموقع على الاتفاق الإطاري قال لموقع "سكاي نيوز عربية" إن سبب تعثر جهود ضم حركتي إبراهيم ومناوي للعملية السياسية هو تمسكهما بنصيبهما في قسمة السلطة.

أخبار ذات صلة

السودان.. الكتلة الديمقراطية تتراجع عن رفض الاتفاق الإطاري
آبي أحمد بالخرطوم.. السودان وإثيوبيا يتوافقان حول سد النهضة

وفشلت حتى الآن كافة الجهود لتقريب وجهات النظر بين قوى الحرية والتغيير التي تضم عددا من الأحزاب والكيانات المدنية الموقعة على الاتفاق الإطاري من جهة وحركتي إبراهيم ومناوي من الجهة الأخرى.

وجرت الأحد آخر محاولة لضم الحركتين للعملية السياسية لكنها لم تنجح أيضا؛ فبعد بيان تحدث عن اقترابها بنسبة 95 بالمئة من التوافق مع أطراف الاتفاق الإطاري نتيجة اجتماع عقده محمد حمدان دقلو نائب رئيس مجلس السيادة مع قياديين من الحركتين واستمر 6 ساعات؛ عادت الكتلة الديمقراطية التي تنضوي تحتها الحركتين للتراجع عن البيان وقالت إن البيان الأول كان "خطأ إجرائيا"؛ مشيرة إلى أن بعض قيادات الكتلة التقت بنائب رئيس مجلس السيادة وأصدرت بيانها دون الرجوع إلى الكتلة.

ورأى المحلل الصحفي شوقي عبد العظيم أن جبريل إبراهيم ومناوي أظهرا خلال الفترة التي أعقبت توقيع الاتفاق الإطاري تمسكا أكبر بالجزئية الخاصة بقسمة السلطة وهو ما يبرر رفضهما للاتفاق.

وقال عبد العظيم لموقع "سكاي نيوز عربية" إن الاتفاق الإطاري نص بجلاء على اعتماد الكفاءة والالتزام بمبادئ ثورة ديسمبر كأساس للاختيار في المناصب السياسية؛ عليه فقد تجاوز هذه الجزئية التي أثبتت فشلها خلال الفترة الماضية.

وفي حين ترفض حركتي جبريل ابراهيم ومناوي أي محاولات لمناقشة او مراجعة اتفاق السلام؛ يرى طيف واسع من السودانيين وخصوصا المتضررين من الحرب أن اتفاق السلام فشل حتى الآن في وقف آلة الموت التي اندلعت في العام 2003 وحصدت أرواح مئات الآلاف وشردت الملايين؛ فبعد أكثر من عامين من الاتفاق لا تزال المعاناة وعمليات القتل مستمرة؛ مما أثار انتقادات كبيرة للاتفاق؛ وتساؤلات عديدة حول الأسباب التي أدت إلى إخفاق الاتفاق في تحقيق تطلعات أصحاب المصلحة الحقيقيين؛ خصوصا بعد الأحداث الاخيرة في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان والتي أدت إلى مقتل وتشريد عشرات الآلاف.

السودان وإثيوبيا يوكدان التوافق بما يدعم مصلحة الشعبين

ما هو اتفاق سلام جوبا؟

  • بعد مفاوضات استمرت عدة أشهر في جوبا؛ وقعت الحكومة السودانية في أكتوبر 2020 اتفاق سلام مع عدد من الحركات المسلحة أبرزها الحركة الشعبية شمال، وحركة جيش تحرير السودان، جناح أركي مناوي وحركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم إضافة إلى مجموعات غير مسلحة تشمل مسارات الوسط والشرق والشمال.
  • تلخصت أبرز بنود الاتفاق في استكمال الترتيبات الأمنية خلال 39 شهرا ووقف الحرب وجبر الضرر واحترام التعدد الديني والثقافي والتمييز الإيجابي لمناطق الحرب وهي دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان.
  • ونص الاتفاق على مشاركة الأطراف الموقعة في السلطة الانتقالية بثلاث مقاعد في مجلس السيادة و 5 مقاعد في مجلس الوزراء و 75 مقعدا في المجلس التشريعي الذي كان يتوقع تشكيله من 300 عضوا.

أبرز الانتقادات

  • يرى مرقبون أن الاتفاق فشل في وقف نزيف الدم؛ فبعد توقيعه في أكتوبر 2021 تكررت أعمال العنف في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان أكثر من 5 مرات وأدت إلى مقتل أكثر من ألفي شخص بينهم نساء وأطفال وحرق قرى بكاملها.
  • فشل الاتفاق حتى الآن في إعادة النازحين إلى مناطقهم الأصلية بسبب التدهور العام الأوضاع الأمنية واستمرار القتال في معظم أنحاء دارفور؛ وهذا ما عزز الاعتقاد لدى معظم سكان دارفور ومناطق الحرب الأخرى بأن اتفاق السلام لم ينفذ على الأرض حتى الآن.
  • أضعف التأخر في تنفيذ بند الترتيبات الأمنية الاتفاق بشكل كبير.
  • لم يتضمن الاتفاق تفاصيل واضحة عن أماكن التجميع ولم يحصر أعداد القوات التابعة لكل حركة قبل عملية التوقيع مما أدى إلى عمليات تجنيد وبيع واسعة للرتب وتمركز كبير لقوات بعض الحركات المسلحة في وسط العاصمة الخرطوم الأمر الذي أدى إلى مخاوف أمنية متزايدة.
  • شهدت الفترة التي أعقبت اتفاق السلام تمركزا كبيرا لقادة الحركات المسلحة والعناصر المساعدة لهم في العاصمة الخرطوم؛ وتولى معظمهم مناصب قيادية في السلطة التنفيذية المركزية؛ وأصبحت علاقتهم بمناطق الحرب تنحصر في زيارات محدودة.
  • برز مسار شرق السودان كواحد من الجوانب المثيرة للجدل في الاتفاق؛ حيث أعلنت مجموعة يقودها ناظر قبيلة الهدندوة في شرق السودان رفضها لتضمين المسار في الاتفاق وعملت لفترات طويلة على إغلاق الميناء الرئيسي لصادرات وواردات البلاد في مدينة بورتسودان على البحر الأحمر إضافة إلى إغلاق الطريق الرئيسي الرابط بين الميناء ومدن البلاد الأخرى مما سبب أزمة أمنية واقتصادية كبيرة.
يونيسف تناشد المانحين تقديم الدعم لأطفال السودان
  • تأثر الاتفاق سلبا بغياب حركات رئيسية مثل الحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو التي تسيطر على مناطق واسعة في جنوب كردفان والنيل الأزرق؛ إضافة إلى حركة عبد الواحد محمد نور التي تتمركز في مناطق جبل مرة بدارفور، وفيما لم تنضم حركة نور للمفاوضات أصلا؛ انسحبت حركة الحلو من المفاوضات منذ مراحلها الأولى.
  • يعتبر مراقبون أن تركيز اتفاق السلام على تقاسم السلطة والمناصب أغرى الكثيرين إلى إنشاء حركات مسلحة جديدة أو الانسلاخ عن الحركات الأم.

وتشير التقديرات إلى ارتفاع عدد الحركات المسلحة في أعقاب توقيع الاتفاق إلى 87 حركة مسلحة في السودان 84 منها في منطقة دارفور وحدها.

ويشير كمال إسماعيل رئيس حزب التحالف الوطني السوداني والقيادي في قوى الحرية والتغيير - المجلس المركزي؛ أن المشكلة الأكبر تكمن في الخلل الكبير الذي صاحب الاتفاق.

ويقول اسماعيل لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن العيوب التي صاحبت تنفيذ الاتفاق جعلت الكثيرين ينعتونه بالفشل مما يتطلب ضرورة فتحه من جديد ومراجعته وتنقيته من كل أسباب الفشل بما في ذلك المحاصصات وغيرها من الامتيازات التي منحت لقادة الحركات المسلحة وأحدثت واقعا غبر مقبول.

من جانبه، يقول الصحفي والمحلل السياسي وائل محجوب إن الاتفاق لم يحقق حتى الآن تطلعات أصحاب المصلحة الحقيقيين في مناطق الحرب ولم يعالج القضايا الأساسية التي أدت لاندلاع الحرب.

ويقول محجوب لموقع "سكاي نيوز عربية" إن الاهتمام بتقاسم السلطة على حساب قضايا مناطق الحرب والمتأثرين بها والخلل البنيوي في الاتفاق نفسه إصافة إلى تجزئة الاتفاق وعدم شموله لحركات مسلحة أساسية من بين أهم الاسباب التي أدت إلى إخفاق عملية السلام.

وأضاف: "نصت الوثيقة الدستورية الموقعة في أغسطس 2019 على أن تتولى الحكومة التنفيذية ملف السلام؛ لكن الملف تحول إلى المكون العسكري مع تمثيل محدود للوزراء والمدنيين".

بدوره، يرى عمار آموم دلدوم، السكرتير العام للحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو أن سلام جوبا لم يحقق مبتغاه وركز على تقاسم المناصب ولم يعالج جذور الأزمة التي أدت إلى الحرب.

وقال دلدوم لموقع "سكاي نيوز عربية" إن موقف الحركة الشعبية واضح وينادي بسلام قائم على معالجة جذور الأزمة.

وأكد جاهزية الحركة للعودة إلى مسار السلام متى ما جاءت سلطة مدنية ذات صلاحيات دستورية وسياسية واقتصادية كاملة.

في السياق، يؤكد مسؤول الترتيبات الأمنية في مسار دارفور؛ مبارك بخيت أن العمل يجري حاليا على تنفيذ بند الترتيبات الأمنية على الأرض رغم الصعوبات المرتبطة بالواقع السياسي الحالي.

وقال بخيت لموقع "سكاي نيوز عربية" إن هنالك وجود لعدد من القيادات المنفصلة عن حركاتها الأصلية لكنها لا تملك قوة كبيرة على الأرض؛ مشيرا إلى أن المشكلة الأكبر تكمن في الانتشار للواسع للسلاح في أوساط السكان.