أجبرت الضغوط الاقتصادية الكبيرة السودانيين على تقليص إنفاقهم اليومي بأكثر من النصف، مما تسبب بكساد كبير في حركة الأسواق والنقل وقطاعات الترفيه، بل حتى عيادات الأطباء.
وفي حين كانت العاصمة الخرطوم وغيرها من المدن تشهد لسنوات طويلة ازدحاما شديدا في الأسواق ومواقف المواصلات العامة والمقاهي والمطاعم، تبدل الحال تماما في ظل الضغوط الاقتصادية التي تزايدت بشكل كبير خلال الأشهر القليلة الماضية.
وفي الوقت الذي تعتمد فيه الأسواق السودانية على الاستيراد لتأمين 60 في المئة من احتياجاتها، ارتفع الدولار الجمركي خلال الفترة الأخيرة 739 في المئة إلى 564 جنيها، بعد أن كان يحسب بـ55 جنيها. كما ارتفعت رسوم الموانئ بأكثر من 300 في المئة.
وتضاعفت رسوم أرضيات الموانئ 4 مرات تقريبا، إضافة إلى ارتفاع رسوم شحن الحاويات بنحو 500 في المئة. وارتفعت أيضا أسعار الطاقة الكهربائية 116 مرة خلال أقل من عام، وقفزت الضرائب ورسوم الجمارك بنسب تراوحت ما بين 300 إلى 500 في المئة.
وتسببت الزيادات الكبيرة في الضرائب والجمارك والرسوم المحلية في ارتفاعات هائلة في أسعار السلع والخدمات، وقوضت قدرة القطاع الصناعي، الذي تشير تقارير إلى فقدانه 80 في المئة من طاقته الإنتاجية خلال الفترة الأخيرة.
ووفقا لتقديرات مستقلة، فإن الرسوم والضرائب الحكومية تشكل 70 في المئة من أسعار السلع الأساسية عند وصولها للمستهلك النهائي.
ولم ينج أي قطاع من حالة الكساد الحالية؛ فمن البقالات ومحلات بيع الخضر والفاكهة واللحوم، والأجهزة الكهربائية والإلكترونية ومواد البناء، والمطاعم الفاخرة وأماكن الترفيه وقطاع نقل الركاب، أصبح التراجع الكبير في القوة الشرائية هو سيد الموقف.
تراجع "مخيف"
ويصف النور محمد، وهو صاحب بقالة في حي العمارات - أحد أحياء الخرطوم الراقية - تراجع المشتريات اليومية بـ"المخيف".
ويقول لموقع "سكاي نيوز عربية" إنه وغيره باتوا يركزون فقط على السلع الضرورية جدا في ظل إحجام معظم السكان عن شراء السلع الفاخرة أو عالية الجودة.
ويوضح: "هذا الحي تقطنه مجموعة كبيرة من الميسورين وكبار الموظفين والتجار الذين كانوا في الماضي يطلبون أجود أنواع السلع الغذائية بغض النظر عن تكلفتها، لكن معظمهم لم يعد قادرا على الشراء بسبب الارتفاع الكبير في أسعار السلع وتوجيه الصرف نحو احتياجات أكثر أهمية".
ويشير محمد إلى صعوبات كبيرة تواجه أصحاب البقالات في ظل انخفاض القوة الشرائية وارتفاع تكاليف الكهرباء والرسوم الحكومية.
الأزمة الحالية طالت أيضا قطاع الخدمات الصحية، الذي نادرا ما يتأثر بحالات الكساد. ويقول محمد العبيد، الذي يمتلك عيادة أسنان في وسط الخرطوم، لموقع "سكاي نيوز عربية" إن عدد المراجعين انخفض بنحو 50 في المئة بسبب الارتفاع الكبير في كلفة الإيجارات والكهرباء والضرائب الحكومية ومدخلات علاجات وتقويم الأسنان، الأمر الذي قلص من القدرة على مواجهة تكاليف العلاج العالية".
ويشير العبيد إلى أن العديد من المرضى يواجهون صعوبات كبيرة في الحصول على تغطية التأمين الكافية.
ويبدو الكساد أكثر حدة في أسواق الأجهزة الكهربائية ومواد البناء والسلع الفاخرة، التي تراجعت مبيعاتها بأكثر من 70 في المئة خلال الأشهر العشر الماضية. ويعزي التجار ذلك إلى توجيه معظم السكان الإنفاق نحو الاحتياجات الضرورية.
تأثر قطاع النقل
ومثله مثل القطاعات الأخرى، تأثر قطاع النقل أيضا بحالة الكساد الحالية. ويؤكد عادل علي، الذي يملك حافلة لنقل الركاب من وإلى إحدى المناطق الواقعة في شمال الخرطوم، إنه "بات يضطر إلى صف حافلته لساعات طويلة للحصول على العدد الكافي من الركاب".
ويضيف لموقعنا: "حتى وقت قريب، كانت الحافلة تمتلئ بالركاب بمجرد دخولها الموقف، لكن رغم أن الناس ما زالوا يذهبون إلى أماكن العمل أو المدارس أو مواقع الخدمات إلا أن ملء الحافلة أصبح يستغرق ساعات طويلة خلال الفترة الأخيرة".
ويوضح علي: "في ظل الأزمة الحالية، يفضل البعض الوصول إلى وجهته مشيا على الأقدام أو المساهمة في تكلفة البنزين مع أقرب زميل في مكان العمل أو الدراسة، مما خفف كثيرا من الحاجة للمواصلات العامة".
وبسبب تراجع القوة الشرائية وحالة الكساد الحالية، اضطر الكثير من المنتجين والتجار ومقدمي الخدمات للخروج من الأسواق خلال الفترة الأخيرة. ويشير الكاتب الصحفي حيدر المكاشفي إلى أن الضرائب والرسوم المتصاعدة أثرت كثيرا على القوة الشرائية للمستهلك أو قدرته على الحصول على الخدمات أو العلاج.
ويقول المكاشفي، لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن أسعار السلع والخدمات أصبحت فوق طاقة الجميع وجعلت من الصعب على التاجر تحميلها للمستهلك في بلد يعيش فيه أكثر من 60 في المئة من السكان تحت خط الفقر.