على وقع احتساء القهوة مع غروب الشمس، تجلس مجموعة من الشباب في أحد مقاهي العاصمة نواكشوط، في جو يسوده الهدوء، حيث لا حديث لديهم سوى سبل تسلق "جدار الحلم" على الحدود المكسيكية الأميركية.

فمقاهي نواكشوط التي كانت تضج بالنقاشات وتبادل الأفكار الأيديولوجية، أصبحت ملاذا للتخطيط واستعراض الاستراتيجيات، حول كيفية اجتياز الحدود المكسيكية الأميركية.

من بين المجموعة التي دأبت على الحضور إلى المقهى كل مساء، "لمين" الذي أكمل جميع إجراءات الهجرة، حيث يستعد لخوض هذه المغامرة خلال الأيام القليلة المقبلة.

ويقول لمين لموقع "سكاي نيوز عربية": "منذ عام وأنا أفكر في الهجرة، وذلك نتيجة للبطالة التي تنهش معظم الشباب، ومتأكد من أن تغيير الوضع الصعب الذي تعيشه عائلتي، مرهون باجتياز جدار المكسيك".

لمين الذي تخرج قبل عامين من جامعة نواكشوط، جمع ما يناهز 4 ملايين أوقية، أي أكثر 11 ألف دولار، خصيصا لهذه القضية، وينتظر تحديد موعد سفره إلى إسبانيا، من إحدى الشبكات التي تعمل في هذا المجال.

أخبار ذات صلة

لمواجهة طوفان الهجرة.. إيطاليا والنيجر بصدد تطوير علاقتهما

تفشي الفكرة

خلال شهر سبتمبر المنصرم، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع لمجموعة من الشباب الموريتاني، وهم يتسللون عبر البرازيل والإكوادور وبوليفيا وغواتيمالا وبنما، متوجهين إلى المكسيك نحو أميركا، مما جعل فكرة الهجرة تجتاح الكثر من الموريتانيين.

ومن بين المتأثرين بالفكرة، عبد الله ولد بيباه، الذي يمتلك محلا تجاريا في أحد الأحياء الشعبية في نواكشوط، وقد بدأ يدخر بعض أرباحه لهذه المهمة.

ويقول لموقع "سكاي نيوز عربية": "لا يمكنني أن أفني عمري داخل جدران هذا المحل كل يوم، سئمت من النمط الذي أعيشه، وقد بدأت أدخر بعض أرباحي، وحين يأتي الوقت المناسب للهجرة، سأبيع محلي التجاري، وكل ما أملك".

عمل ثم عمل.. وطموح أهم من الراحة

 صعوبات

بعد التدفق الموريتاني الكبير إلى الولايات المتحدة خلال 2022، أصبحت القنصلية الأميركية في نواكشوط، أكثر تشددا في منح التأشيرة للمتقدمين، خاصة لفئة الشباب، مما جعل المتحمسين لفكرة الهجرة يبحثون عن طرق أخرى.

الطيب ولد الشيخ "اسم مستعار"، يحاول منذ زمن الحصول على تأشيرة لدخول الاتحاد الأوروبي، التي من خلالها ستتيح له الذهاب إلى مدريد، ليتوجه بعد ذلك إلى باريس ثم نيكارغوا حتى يتوقف في المكسيك.

وهناك يأمل بأن يجد طريقة للخروج من المطار نحو تيخوانا، ليتسلق "جدار الحلم" الفاصل بين البلدين، لكن صعوبة الأمر قد تجعله يفكر في طريقة أخرى.

ويوضح الطيب لموقع "سكاي نيوز عربية": "مع تعذر الحصول على تأشيرة الاتحاد الأوروبي، تواصلت بصعوبة مع إحدى الشبكات التي رحّلت العديد من الشباب إلى أميركا بطرقها الخاصة، وقد اشترطت الحصول على 6 ملايين أوقية (16600 دولار)، ثم انقطع الاتصال قبل المفاوضات على السعر، وما زلت أنتظر الرد".

اتفاق للتعاون الأمني بين موريتانيا وإسبانيا

حياة كريمة

معظم المهاجرين الموريتانيين، يرجعون فكرة الاغتراب عن الوطن إلى البحث عن "حياة كريمة". ومن بين الشباب الذي وصلوا إلى أميركا عن طريق جدار المكسيك، مولاي سيدي عالي، الذي شجعه ذهاب أصدقائه على هذه الفكرة.

ويقول لموقع "سكاي نيوز عربية": "لم أعش حياة كريمة في موريتانيا، وقد اتخذت هذه الخطوة لأحصل في أميركا على العيش الكريم، وتحقيق ذاتي في مجال التصوير، والإخراج. والآن أنتظر من السلطات الأميركية، الحصول على بطاقة إذن العمل".

ويشير الرجل إلى أنه "يدرك تماما أنه قرار صعب، خاصة أنه ابتعد عن عائلته، وابنته البكر التي ولدت بعد ذهابه"، معتبرا أنه "لا خيار لديه".

ولا توجد معطيات رسمية حول أعداد الموريتانيين الذي دخلوا أميركا عبر الجدار خلال 2022، لكن أحد سماسرة الشبكات الناشطة في هذا المجال، والذي فضل حجب هويته، قدّر لموقع "سكاي نيوز عربية"، العدد بنحو 900 شاب.

وتشهد وكالات السفريات في نواكشوط هذه الأيام، حراكا شبابيا ملحوظ، من أجل الحصول على تأشيرة الاتحاد الأوروبي، وقد انتشرت مؤخرا مجموعات على تطبيق التواصل الفوري "واتساب"، تضم مئات الشباب الموريتانيين، لدراسة وبحث سبل اجتياز الجدار.