تمكن مزارعون تونسيون من زراعة القمح وحصاده مرتين في السنة، وسط آمال بأن تساعد تجربتهم الناجحة في إمداد السوق المحلية بما تحتاجه من حبوب، لا سيما في ظل نقص للمادة الحيوية بالبلاد وكثير من دول العالم، من جراء تراجع الإمدادات وتبعات حرب أوكرانيا.
وبفضل تجربة زراعة القمح مرتين في السنة بتونس، شهدت منطقة عين الكرمة في تمغزة جنوب البلاد موسما لحصاد القمح في شهر نوفمبر الجاري.
و قال عمر الأحمدي، وهو صاحب المزارع التي جرت فيها التجربة في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، إنه جرب زراعة عشرة أنواع من بذور القمح منذ أشهر قليلة، و تمكن منذ أيام من حصاد محصول ثلاثة منها، بينما سيتم حصاد محصول بقية أنواع البذور خلال أسابيع.
وبعد نجاح التجربة، ينوي الأحمدي زراعة عشرات الهكتارات من القمح للمساهمة في دعم الإنتاج الوطني وتجاوز أزمة نقص الحبوب التي تعرفها تونس.
وأشار إلى وجود أصناف من البذور المحلية الأصيلة بإمكانها أن تنتج أكثر من مرة في السنة إذا ما تمت زراعتها بطريقة تسقي بتقنية "قطرة قطرة" في مزارع جنوب البلاد.
و اعتبر الفلاح أن طبيعة المناخ جنوب البلاد ساعدت على نجاح تجربته، داعيا إلى الاستفادة من التغيرات المناخية بتجاوز الاعتماد على غرس النخيل و الزيتون دون سواهما في الجنوب، وذلك للاتجاه نحو الحبوب خاصة بعد أزمة الغذاء المحلية و العالمية التي فاقمتها الحرب الروسية الأوكرانية.
"رهان محدود"
من جهته، علق عضو الشبكة العربية للسيادة الغذائية، ليث بن بشر، أن هذه الزراعات التي تعتمد على طريقة خاص من الري لا يمكن أن تسمح بزراعة مساحات كبيرة من القمح كما أن "تونس بلد صغير ولا يعرف تنوعا مناخيا بارزا بين مناطقه مثل دول المكسيك و البرازيل التي تلجأ لمواسم زراعة القمح المتتالية" مشيرا إلى أن حصاد القمح في أشهر الشتاء يبقى تجربة من الصعب أن تحل أزمة الغذاء التي تواجهها تونس.
أما الفلاح والباحث في المجال الزراعي، حسن الشتيوي، فيبدو أكثر اقتناعا بفكرة زراعة القمح لمواسم مختلفة، خلال العام الواحد، حيث أكد في حديثه مع الموقع أن "أصنافا بعينها من بذور الحبوب قدمت إنتاجية عالية بمعدل 194 سنبلة للبذرة الواحدة في صنف "البركة" و100 سنبلة في البذرة الواحدة لصنف "الشتيوي".
وأوضح أن التجارب بينت أن بذور القمح كلما منحت مساحة أكبر أثناء زراعتها فارتفعت إنتاجيتها، وعندئذ، أثبتوا أن "إنتاجية كيلوغرام من القمح مزروعة في مساحة ألف متر يمكن أن تؤمن غذاء عائلة خلال عام كامل".
و أكد الشتيوي أنه تولى تطوير أصناف من البذور المحلية الأصلية منذ عام 2019 و قدمها للفلاحين حتى يجربوها مشيرا إلى أن الحاجة لتطوير البذور الأصيلة خلقتها أزمة الحبوب التي يعتبر استهلاكها و استيرادها و إنتاجها أساسي في الاقتصاد التونسي.
و يذكر أن استهلاك تونس من الحبوب بلغ 3.4 مليون طن، وفق آخر مؤشرات نشرها ديوان الحبوب (مؤسسة حكومية)، وتوفر تونس أكثر من نصفها عبر الاستيراد من روسيا وأوكرانيا.
وأدت الحرب الأوكرانية إلى أزمة، من جراء تأثيرها على مخزون تونس من الحبوب التي تحتاجها البلاد في الصناعات التحويلية، الأمر الذي دفع الفلاحين و الخبراء للبحث عن سبل تحقيق السيادة الغذائية، من خلال العودة إلى اتباع نظام غذائي يعتمد على الزراعات المحلية.
وكان وزير الفلاحة التونسي، محمود إلياس حمزة، قد صرح في وقت سابق أن تونس تعمل على التقليص من الموارد المخصصة للتوريد، وتعزيز الأمن الغذائي للبلاد والوصول إلى الاكتفاء الذاتي من إنتاج القمح الصلب، بدءا من الموسم المقبل بزراعة 800 ألف هكتار إضافية من القمح الصلب و بالتركيز على توفير البذور التي تزيد الإنتاجية.