عادت قضية الطفلة التونسية البالغة من العمر ثلاث سنوات، والتي هاجرت منذ أسبوعين نحو إيطاليا على متن قارب ينقل مهاجرين غير نظاميين، لتطفو على سطح الأحداث في الأوساط الاجتماعية والقضائية والحقوقية في تونس، وذلك في ضوء المستجدات المتلاحقة حول مصيرها وظروف إقامتها في إيطاليا، بعد أن تم اعتقال كل من كانوا على متن مركب الهجرة السرية بمركز للإيواء في جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، إلى حين انتهاء التحقيقات.
ولئن تداولت مصادر رسمية في تونس معلومات حول توجه السلطات التونسية بمذكرة لنظيرتها الإيطالية تطالب فيها بتأمين عودة "أصغر مهاجرة غير نظامية" إلى بلادها لإيوائها بأحد مراكز رعاية الطفولة وإخضاعها إلى المتابعة الطبية والنفسية، فإن مصادر من جمعيات تعنى بشؤون الأطفال في إيطاليا كشفت أن السلطات الإيطالية رفضت تسليم الطفلة.
وذكرت عدة تقارير إعلامية تونسية وإيطالية أن السلطات في إيطاليا قررت الاحتفاظ بالطفلة على ذمة إحدى الجمعيات المهتمة بشؤون الأطفال رافضة التجاوب مع طلب تونس، لكن وزيرة المرأة في تونس، آمال بالحاج موسى نفت في تصريحات لوسائل الإعلام، الاثنين، كل تلك الأخبار مؤكدة أنها معلومات مغلوطة وسابقة لأوانها.
القضاء الإيطالي يحسم مصير الطفلة
وخلال ردها على أسئلة الصحفيين، قالت بالحاج موسى: "نحن نستغرب تداول هذه الأخبار السابقة لأوانها، لم يصدر القضاء الإيطالي حكمه بخصوص مصير الطفلة، هناك لبس في المعلومات، الجلسة التي التأمت الأسبوع الماضي كانت بغرض مقابلة بين الوفد التونسي والسلطات في إيطاليا وليست جلسة قضائية".
وتابعت قولها: "ما حصل الأسبوع الماضي هو مجرد جلسة للنقاش حول الملف وتدارس مختلف الخيارات الممكنة لضمان حقوق الطفلة، وجمعت قاضي الأسرة بإيطاليا والمندوب العام للطفولة والملحق الاجتماعي والقنصيلة والقائم بأعمال السفارة التونسية بروما، كما شهدت حضور المحامية الإيطالية المعينة كوصية على الطفلة والمحامية الممثلة للطرف التونسي".
وأضافت وزيرة المرأة: "سنتابع كل المستجدات حول مصير الطفلة، هناك مسار كامل تشتغل عليه اللجنة التي كلفتها الحكومة بهذه القضية والمتكونة من وزارة العدل ووزارة المرأة ووزارة الخارجية، تونس تسعى إلى استعادة الطفلة، كل الدولة مستنفرة من أجل إعادتها في أفضل الظروف، سيأخذ ذلك الأمر وقتا ولكن في النهائية ستعود إلى تونس وليس للسلطات هنا نية لإيداعها في مركز لرعاية الطفل عند وصولها".
وينتظر أن تنعقد يوم 8 نوفمبر القادم، في محكمة باليرمو أول جلسة قضائية حول الحادثة، وستشهد حضور عدد من القضاة ومختصين في علم الاجتماع وعلم النفس قبل صدور حكم قضائي في الحادثة الغريبة التي هزت الأوساط الاجتماعية في تونس طوال الأسبوعين الماضيين.
وكانت وزارة المرأة في تونس أكدت منذ أسبوع أنها أرسلت مندوب حماية الطفولة يوم السبت لتأمين عودة الطفلة إلى عائلتها، لكن وسائل إعلام قالت إن القضاء الإيطالي رفض السماح بإعادتها.
وفي بيان سابق، قالت وزارة المرأة: "في إطار متابعة قضيّة وصول طفلة الأربع سنوات إلى التراب الإيطالي في عمليّة هجرة غير نظاميّة، كلّفت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن، المندوب العام لحماية الطفولة، بالتنقّل إلى مدينة باليرمو الإيطاليّة، حيث سيتولّى بالتنسيق مع المصالح القنصلية التونسية في باليرمو والسلطات الإيطالية، التعهد الميداني بالطفلة وإتمام الإجراءات والتدابير لتأمين عودتها إلى أرض الوطن".
تنامي ظاهرة الهجرة السرية للأطفال
من جهته، قال رئيس الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الطفل، معز شريف، إن الوضع الذي تعيشه طفلة الثلاث سنوات، هو وضع إهمال واستغلال وليس وضع هجرة غير نظامية لأنه لا يمكن لطفل في تلك السن المبكرة جدا أن يقرر مصيره بشكل فردي، على حد قوله.
وأوضح معز الشريف لـ"سكاي نيوز عربية": "المسؤولية بأكملها يتحملها والدا الطفلة اللذان يعتبران في حالة تعريض ابن قاصر إلى خطر الموت خصوصا عندما نعرف الخطر الذي يحدق بالمهاجرين فما بالك عندما يكونون أطفالا يلقى بهم دون حماية في زوارق الهجرة، بل إن ما قامت به السلطات التونسية تجاه والدي الطفلة باعتقالهما هو إجراء عادي جدا إذ أنهما لم يعلما أي جهة أمنية أو قضائية بأن ابنتهما الطفلة هاجرت دون مرافق نحو إيطاليا وهذا إهمال تام وخرق تام لحقوق الطفل".
وأضاف رئيس الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الطفل: "وجود الطفلة حاليا في إيطاليا وتحت مسؤولية السلطات هناك، لدينا عدة معطيات حول الملف، نحن نتفهم تردد السلطات الإيطالية لتسليم الطفلة، وذلك في ضوء ما يصل من تهديدات للعائلة والخوف من أن تتحمل الطفلة تداعيات ما يحصل من حولها، تونس وإيطاليا كلاهما وقع على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل والتي تنص أولا على أن المصلحة الفضلى للطفل، مهمة تونس دقيقة في هذا الشأن وعليها أن توفر كل الآليات لنظيرتها الإيطالية لتأمين عودة الطفلة التي لا بد أن تقترن بضمانات حول وجود رعاية تامة لها".
وكانت الجهات القضائية في تونس أصدرت قرارا يقضي بتحجير السفر على والدي الطفلة وذلك إلى جانب توقيف الأب على ذمة التحقيق، وفق ما أكده فريد بن جحا المتحدث الرسمي باسم بمحاكم محافظات المنستير والمهدية (وسط البلاد).
وقال المتحدث الرسمي إن قاضي التحقيق الأوّل بالمحكمة الابتدائية بالمنستير قرر تحجير السفر على والدي الطفلة لضمان حسن سير البحث باعتبار أنهما تورطا في قضية إهمال شؤون قاصر إضافة إلى معرفتهما بمنظم عملية "الحرقة" وبالإمكان الاستعانة بهما للتعرف عليه، بحسب قوله.
جدير بالذكر أن عدد المهاجرين السريين الأطفال ممن خاضوا عملية الهجرة دون مرافق عائلي ناهز 400 طفلا خلال سنة 2022، بحسب تقارير كشفت عنها الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الطفل.
أما عدد المهاجرين التونسيين غير الشرعيين نحو أوروبا فقد بلغ نحو 14 ألف مهاجر، وصلوا إلى بلدان أوروبا برا وبحرا، من بينهم نحو 8 آلاف عبروا إلى الضفة الشمالية للمتوسط على متن قوارب بحرية.