بدأ اللبنانيون اليوم الأول من مرحلة الشغور الرئاسي على إيقاع ترددات الأزمة الكامنة في طيات تفسير الواجبات والصلاحيات الدستورية، المعمول بها تقليديا، بين الرئيس المنتهية ولايته ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي.
وظهرت ملامح هذه الأزمة بين الرجلين، الأحد، عندما قام عون بالتوقيع على مرسوم رئاسي بقبول استقالة حكومة تصريف الأعمال الحالية، مما دفع ميقاتي إلى الإعلان عن رفضه للمرسوم، متذرعًا بأن التوقيع عليه يتعارض مع المواد الواردة في الدستور اللبناني.
هل يحسمها البرلمان؟
رئيس مجلس النواب نبيه بري دعا إلى عقد جلسة تحت قبة البرلمان، الخميس المقبل، لتلاوة رسالة رئيس الجمهورية التي اعتبر فيها أن خطوته تأتي بعدما أعرب رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي "عن عدم حماسته للتأليف لأسباب مختلفة"، ولقطع الطريق أمامه لـ"عقد جلسات لمجلس الوزراء" بما يخالف "مفهوم تصريف الأعمال بالمعنى الضيّق".
وتضمنت رسالة الرئيس المنتهية ولايته ميشال عون التالي:
- "امتناع رئيس الحكومة المكلّف عن تأليف حكومة عملًا بأحكام المادتين 53 (فقرة 4) و64 (بند 2) من الدستور، وتأكيد حالة تصريف الأعمال بالمعنى الضيّق للحكومة التي يرأس راهنًا، والتي اعتُبرت مستقيلة عملًا بالمادة 69 (فقرة 1، بند هـ). في حين أن لبنان على مشارف خلو سدة الرئاسة بانتهاء ولاية رئيس الجمهورية، ما يشغر الموقع الأول في الدولة ويفرغ السلطة الإجرائية من القائم بها، أي مجلس الوزراء عملًا بالمادتين 17 و65 من الدستور".
في المقابل، تسلّم بري من ميقاتي رسالة مضادة اعتبر فيها "أن المرسوم الذي قبِل استقالة الحكومة، المستقيلة أصلًا بمقتضى أحكام الدستور، يفتقر إلى أي قيمة دستورية"، قائلًا:
- "بتاريخ 30-10-2022 صدر المرسوم رقم 10942 بقبول استقالة الحكومة ‘المستقيلة‘ أصلًا عملًا بنصّ المادة /69/ من الدستور بسبب بدء ولاية مجلس النواب، دون أن يقترن بصدور مرسوم تكليف الرئيس الذي وقع عليه اختيار السيدات والسادة النواب لتشكيل الحكومة استنادًا إلى استشارات نيابية ملزمة وفقًا لما تنص عليه المادة /53/ من الدستور".
- "هذا المرسوم يرتدي، دون ريب، الطابع الإعلاني وليس الإنشائي، مع ما يترتب على ذلك من نتائج أهمها أن تصريف الأعمال يُمسي من واجبات الحكومة المستقيلة أو التي تُعتبر بحكم المستقيلة دونما حاجة لقرار يصدر عن رئيس الجمهورية بهذا الخصوص".
الصلاحيات الرئاسية
وتُعد خطوة عون سابقة في لبنان، حيث يتعين على رئيس الجمهورية إصدار مرسوم قبول استقالة الحكومة، في اليوم ذاته الذي يوقّع فيه مرسوميْ تعيين رئيس الحكومة وتشكيل حكومة جديدة، بحيث تصدر المراسيم الثلاثة معًا.
ويعود السبب في ذلك إلى أن التعديلات التي أُدخلت على الدستور اللبناني، بموجب "اتفاق الطائف" الذي أنهى الحرب الأهلية (1975-1990)، أدت إلى تجريد رئيس الجمهورية من بعض صلاحياته ووضعِها في تصرف مجلس الوزراء، مما أفقده ميزة "تعيين" الوزراء و"اختيار" رئيس الحكومة من بينهم، خلافًا لما وصل إليه الحال في الوقت الراهن، لا سيما أن "مخاض" تشكيل الحكومة الأولى في عهد الرئيس عون (2016-2022)، برئاسة سعد الحريري، استغرق حوالي 9 أشهر، على الرغم من أن لبنان كان في أمسّ الحاجة (وقتذاك) إلى سلطة تنفيذية للتعاطي مع التداعيات الناجمة عن انتشار الجماعات والخلايا الإرهابية فوق أراضيه.
أما بالنسبة إلى الحكومة الأخيرة التي تحولت، مؤخرًا، إلى حكومة تصريف أعمال، برئاسة ميقاتي، فإن الوضع يبدو مختلفًا، لا سيما من حيث انعدام وجود كيمياء التواصل بين بعبدا والسراي، بحسب وجهات نظر العديد من المتابعين للشأن اللبناني، على الرغم من أن التداعيات الناجمة عن الأزمة الاقتصادية الخانقة باتت أخطر بكثير بالنسبة إلى اللبنانيين من تداعيات الإرهاب ومشتقاته.
وتتركز الأنظار في الوقت الحالي، باهتمام شديد، على النتائج التي ستسفر عنها الجلسة المقررة، الخميس، المقبل في مجلس النواب، لاستبيان حجم الأخطار المحدقة بلبنان في ظل بدء مرحلة الشغور الرئاسي والحكومي، وبالتالي، لرصد بارومتر تلك الأخطار، صعودًا وهبوطًا، من أجل تحديد ملامح المرحلة المقبلة في المستقبل القريب.