أغلقت السلطات في تونس موقعا متخصصا في تسهيل إجراءات قضايا الطلاق، بعد حملة واسعة أطلقها نشطاء وهاجموا فيها المعلقات الإشهارية للشركة، بعد أن احتلت واجهات الشوارع الرئيسية في العاصمة، متسببة في موجة من ردود الفعل السلبية تتهمها بالتشجيع على انهيار مؤسسة الزواج في تونس وتقديم أبغض الحلال كسلعة متاحة وسهلة تخضع لشروط العرض والطلب، في وقت ترتفع فيه معدلات الطلاق في البلاد.
واعتبر عدد من النشطاء أن تحول الطلاق إلى خدمة يعني انهيار قيم المجتمع، وتفاعلوا إيجابيا مع غلق منصة الطلاق، التي كانت مخصصة لتسهيل إجراءات الطلاق القانونية للراغبين فيه.
وكانت قد نشرت معلقات إشهارية بشعارات اعتبرها البعض مستفزة، مثل "أوّل موقع تونسي يدعم قرارك" و"الطلاق، القرار قرارك ونحن نتكفل بالإجراءات".
وكانت عمادة المحامين أول من دق ناقوس الخطر في مواجهة شركة إجراءات الطلاق، وبادرت باتخاذ الإجراءات القانونية ضد شركة الخدمات، معتبرة أن "إطلاق شركة وظيفتها التشجيع على الطلاق أمر غير مقبول ويمس بالنظام العام الأسري ويفكك الأسرة التونسية".
ورغم تبريرات أصحاب منصة "طلاق" بأن هدفهم كان تقديم خدمات قانونية آمنة في حال الانفصال وتوعية الشباب بأهمية اختيار شريك الحياة، أطلقت عمادة المحامين إجراءات التقاضي ضد المنصة واعتبرتها مخالفة للقانون وتمس من سير العدالة ومن حقوق المواطنين ومعطياتهم الشخصية.
وقال كاتب عام هيئة المحامين، حسان التوكابري، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن ما حصل يعد تطفلا على مهنة المحاماة ونوعا من السمسرة بمهنة نبيلة، مضيفا أنهم قاموا بالمعاينات القانونية اللازمة ورفعوا الأمر للنيابة العمومية كما أبلغوا وزارة الأسرة والمرأة.
وتابع:" الطلاق ظاهرة سيئة في المجتمع وجبت معالجتها دون التشجيع عليها نظرا لما يخلفه الانفصال من آثار سلبية على المجتمع والعائلات والأطفال".
وأوضح التوكابري أن انتهاك مهنة المحاماة التي تضبطها نواميس وأخلاقيات يمنعه القانون التونسي ويصنفه جنحة تحيل، مرجحا أن يكون باعث المشروع قد استعان ببعض المحامين من أجل الاستثمار في قضايا الطلاق وهو ما يتنافى مع جوهر مهنة المحاماة ويعتبر سمسرة ونوعا من الوساطة التي يجرمها القانون التونسي.
وعلقت المختصة في علم الاجتماع، لطيفة تاجوري، على ذلك بالقول إن "الجدل حول منصة طلاق تسبب فيه دخول الإشهار في فضاء خاص وهو فضاء العلاقات الأسرية، رغم أن الطلاق يعد حلا من الحلول في حال دخلت الأسرة في علاقات متشعبة وصعبة، و لكن دخول الإشهار في موضوع حساس يمس العلاقات الأسرية الخاصة، أحدث صدمة في الفضاء العام تتعلق برفض الاستثمار في الأمور الاجتماعية وإخضاعها لمنطق التجارة والربح المادي".
وأضافت تاجوري، لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن وجود هذا النوع من الخدمات يعكس حاجة مجتمعية لمعرفة إجراءات الطلاق في ظل غياب تبسيط للمعلومة لدى الهياكل المختصة في قضايا الأسرة، وحاجة للمساعدة والتعهد والحماية التي وجب على الدولة التكفل بها حتى لا تأتي الشركات الخاصة لسد الفراغ، مشيرة إلى أن المجتمع التونسي يمر بمسار تحولات في القيم الاجتماعية وتركيبة الأسرة وترتفع فيه نسب الطلاق وتخلف أبعادا اقتصادية واجتماعية مختلفة.
من جهته، يرى الباحث في علم الاجتماع معاذ بن نصير أن الجدل الدائر بخصوص منصة طلاق تسبب فيه اختلاف القراءات للمعلقات الإشهارية، لأن استراتيجية الصدمة واعتماد أسلوب الإثارة شد الأنظار إلى المنصة ولكنه جاء مخالفا لتمثلات الموروث الشعبي والثقافي للمجتمع التونسي، الذي يحتفظ بنظرة دونية لمسألة الطلاق رغم تغيرات المجتمع.
وأشار بن نصير، في تصريحات لموقعنا، إلى أن القانون التونسي يضع شروطا صارمة تقنن مسألة الإشهار في قطاعات الخدمات الإنسانية مثل الطب والمحاماة حتى لا تتحول إلى تجارة.
وتجدر الإشارة إلى أن آخر الإحصائيات الرسمية التي أوردتها وزارة الأسرة والمرأة ووزارة العدل في تونس أكدت تسجيل حوالي 13 ألف حالة طلاق في تونس خلال عام 2021 بمعدل 46 حالة يوميا وهي أرقام مرتفعة بالنظر لعدد سكان البلاد.