فشل أعضاء مجلس النواب اللبناني، الخميس، في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، خلفا للرئيس الحالي ميشال عون الذي من المقرر أن تنتهي ولايته في 31 أكتوبر الجاري.
وأعادت جلسة البرلمان الأخيرة إلى أذهان اللبنانيين أجواء ما قبل التوصل إلى ما سُمي بـ"التسوية الرئاسية" التي أفضت عام 2016 إلى انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للبلاد، بعد مرور قرابة العامين من أزمة "الشغور الرئاسي"، لا سيما من حيث ممارسات النواب الذين درجت العادة على أن يقوموا بتعطيل "اكتمال النصاب" أو بالإدلاء بأصواتهم في صندوق الاقتراع بأوراق بيضاء.
الفوضى المحتملة
يرى الكاتب والمحلل السياسي اللبناني سركيس أبو زيد في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية" أن الإشكالية الراهنة تكمن في تبايُن وجهات نظر الأفرقاء اللبنانيين حول تفسير المواد المعمول بها في دستور البلاد التي تجيز لكل فريق استخدامها وفقا لأجنداته السياسية الشخصية.
ويقول أبو زيد، في معرض تعليقه على الجلسة الأخيرة لمجلس النواب المخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية:
• من سيئات الوضع في لبنان أن الدستور توجد له تفسيرات مختلفة ومتناقضة بين مختلف القوى.
• صحيح أن اتفاق الطائف تحوّل إلى دستور لبناني ولكن لا يوجد تفسير موحّد لمواده، مما ترك مجالا للاجتهادات والتناقضات التي يلجأ إليها كل فريق من أجل تبرير مواقفه.
• بهذا المعنى، لا يوجد دستور لبناني يمكن العودة والاحتكام إليه حتى لا يكون هناك خلافات وتباينات.
• هذا يعني الآن عدم وجود مرجعية واحدة بعد انتهاء عهد الرئيس ميشال عون.
• إذا لجأ كل فريق إلى تفسير متناقض فهذا يعني سقوط الشرعية، وبالتالي من سيقرّر في قيادة الجيش، ومن سيقرّر في الوزارات؟
وخلص سركيس أبو زيد إلى القول إن "استمرار هذا التباين يمكن أن يؤدي إلى إدخال البلاد في فوضى قد تُفسح المجال أمام اضطرابات أمنية خطيرة تضع مستقبل لبنان واللبنانيين أمام تحديات صعبة".
الأعراف الرئاسية
يذكر أن الرئيس اللبناني يبدأ عهده، فور الإعلان عن انتخابه في البرلمان، بأداء القسم، الذي يعتبر يمين الإخلاص للأمة والدستور عندما "يقبُض رئيس الجمهورية على أزمة الحكم"، بحسب ما جاء في المادة 50 من الدستور اللبناني.
ولكن لماذا يُطلب من رئيس الجمهورية كل هذا؟ وما معنى أن يقبُض رئيس الجمهورية على أزمة الحكم؟ وما أهمية احترامه للدستور؟ وما علاقته بالقوانين؟ وكيف يمكن أن يحفظ استقلال الوطن اللبناني وعمن؟ وهل تُحفظ سلامة الأراضي من دون سلطة دفاعية؟
يطرح المحامي والباحث اللبناني ربيع الشاعر هذه التساؤلات تمهيدًا للدلالة إلى حجم المعضلة الدستورية التي يعاني منها لبنان، قبل "اتفاق الطائف" وبعده، ويضيف عليها التالي:
• لماذا بكل بساطة يحدث انتخاب رئيس للجمهورية كل 6 سنوات، والبلاد اعتادت على التمديد وعلى الفراغ؟
• هل من الضروري أن يمثّل رئيس الجمهورية جميع اللبنانيين؟
• هل يجوز أن يكون لرئيس الجمهورية برنامجا أو رأيا؟
• متى يكون الرئيس حَكَما، ومتى يصبح حاكما؟
• كيف يُحكِّم وليست لديه بطاقة حمراء في نظام برلماني؟
ويُجيب ربيع الشاعر، في دراسة موسّعة أعدها عام 2015 قائلًا: "إذًا، نحن أمام معضلة يصعب تبسيط فهمها، خاصة وأن الديمقراطية توافقية في لبنان، ورئيس الجمهورية فقَد بعضا من صلاحياته بعد اتفاق الطائف، وجاءت الممارسة (لاحقا) لمحاولة تفريغ ما تبقّى من الصلاحيات"، مشيرا إلى أنه "لا يمكن التحدّث عن انتخاب رئيس للجمهورية من دون التطرّق إلى صلاحياته المنصوص عليها في دستور ما بعد الطائف" الموقّع عام 1989.