لم تمضِ سوى أيام قليلة فقط على بداية الموسم الدراسي في المغرب، حتى ظهرت من جديد مشاكل في تدريس الأمازيغية بالمدارس العمومية، بعدما واجه أساتذة اللغة الأمازيغية عددا من العراقيل الإدارية التي تعرقل المسار السليم لإدماج هذه اللغة الدستورية بالمدرسة المغربية.
ويحتج أساتذة اللغة الأمازيغية في بعض المدارس العمومية، على خروقات واضحة من بعض المدراء والمفتشين التربويين، تطال تدريس مادة اللغة الأمازيغية، إلى جانب الخصاص الكبير في مدرّسي الأمازيغية، الشيء الذي يعرقل ورش تدريس الأمازيغية في المغرب.
وانخرطت الوزارة الوصية في عملية تدريس اللغة الأمازيغية في المغرب منذ 2003 بشراكة مع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (رسمي مهمته إبداء الرأي حول التدابير التي من شأنها الحفاظ على الثقافة الأمازيغية والنهوض بها)، إلا أنها لم تصل بعد إلى تعميم تدريس الأمازيغية في المدارس الابتدائية، فيما أحدثت الحكومة صندوقا خاصا لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية بميزانية تصل مليار درهم بحلول عام 2025.
خروقات وحيرة واحتقار
في إقليم شيشاوة جنوب، عبر أساتذة وأستاذات اللغة الأمازيغية عن "حيرتهم بين مذكرات وزارية بشأن التصريف المنهجي لحصص اللغة الأمازيغية في تناغم مع المواد الأخرى، وبين اجتهادات مدراء ومفتشين تربويين"، وفق بيان توصل به موقع "سكاي نيوز عربية".
وأوضح أساتذة الأمازيغية، أنه "بالرغم من كون المذكرة الوزارية رقم 130 صريحة وواضحة فيما يخص عدد الأقسام المسندة لأستاذ اللغة الأمازيغية، والغلاف الزمني الأسبوعي المحدد لمكونات هذه المادة، إلا أن بعض مدراء ومفتشي المؤسسات يتصرفون في هذا الأمر كما يحلوا لهم؛ فيزيدون تارة وينقصون أخرى، ويتلاعبون بالغلاف الزمني للمادة وفق أهوائهم".
واشتكى الأساتذة من بعض مدراء ومفتشي المؤسسات التعليمية الذين "يحتقرون أستاذ مادة الأمازيغية، معتبرين بذلك أن هذه اللغة هي فقط نشاط ترفيهي، وليست بدورها مادة أساسية على غرار اللغتين العربية والفرنسية".
وأبرز أساتذة الأمازيغية أنه يُفرض على بعض زملائهم "تدريس مواد أخرى ليس من تخصصهم، علما أن مجال تكوينهم محصور فقط في تدريس اللغة الأمازيغية، إضافة إلى إدراج الأمازيغية خارج حصص المواد الأخرى".
عراقيل تسيء للمجهودات المبذولة
ولم تكن هذه المرة الأولى التي يعاني منها أساتذة اللغة الأمازيغية في المغرب من "تضييق" بعض المدراء والمفتشين التربويين، وهو ما اضطر الفاعلين في مجال الأمازيغية في المغرب إلى تنبيه الحكومة إلى هذه العراقيل التي تسيء إلى مجهوداتها في تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في مجالات الحياة العامة.
ويرى الخبير التربوي والفاعل الأمازيغي، عبد الله بادو، أن "هذه عينة فقط من الخروقات التي تعاني منها اللغة الأمازيغية في بداية كل موسم دراسي، ويعود سببها في الغالب إلى ضعف تملك مجموعة من الفاعلين للإطار القانوني والتنظيمي لإدماج اللغة الأمازيغية في المنظومة التربوية، نظرا لتضافر عوامل مؤسساتية وذاتية أيضا مرتبطة بطبيعة الانتماءات الأيديولوجية لبعض الفاعلين التربويين".
وأبرز بادو، في تصريحه لـ"موقع سكاي نيوز عربية"، أن الجانب المؤسساتي "يمكن إجماله في عدم دقة المذكرات الوزارية المُؤطرة لعملية التدريس، مما يفتح مجالا للاجتهادات والتأويلات التي لا تواكب المستجدات التربوية"، مضيفا أن "ضبابية بعض المذكرات تجعل المجال خصبا أمام فاعلين تربويين لهم مواقف سلبية تجاه الأمازيغية لتصريف مواقفهم العنصرية".
لهذا يعد "اتخاذ قرارات أو إعطاء توجيهات بدون سند قانوني أو لا تحترم المذكرات التنظيمية المُؤطرة لتدريس اللغة الأمازيغية، إخلالا بالواجب المهني، ومخالفة صريحة لمقتضيات قانونية عليه احترامها والسهر على تنزيلها من موقعه كمفتش تربوي؛ باعتباره منفذا للسياسة التعليمية والساهر على تنزيلها على مستوى مجال تدخله بعيدا عن قناعاته ومعتقداته"، يردف الفاعل الأمازيغي.
أولوية الأمازيغية دون مزايدات
وكان أساتذة تدريس الأمازيغية والمفتشون التربويون للمادة، استبشروا خيرا خلال بداية الموسم الدراسي الجاري، بعد إصدار وزارة التربية والوطنية خمس مقررات دراسية جديدة لمستويات السلك الابتدائي من الثاني إلى السادس، للانسجام مع المنهاج الجديد لتدريس اللغة الأمازيغية الذي أعلنت عنه الوزارة الوصية العام الماضي، كمحور أساسي من محاور تنفيذ خارطة طريق إدماج الأمازيغية في مجال التعليم.
ويعتبر الخبراء التربويين في مجال الأمازيغية، أن جزءا كبيرا من الأطفال المغاربة يوجدون في وضعية حرمان من تعليم لغتهم الأمازيغية الأم، وهو ما يؤثر سلبا على عملية التحصيل لديهم، إذ أن "القطيعة التواصلية بين اللغة المستعملة في المنزل؛ أي اللغة الأم، يمكن أن تشكل صدمة عنيفة تفقد التوازن البيداغوجي للطفل وتضعف لديه الثقة في نفسه والمدرسة"، يقول الأستاذ المتخصص في الأمازيغية بجامعة عبد الملك السعدي بتطوان، عبد الهادي إمحارف.
وفي حديثه لـ"موقع سكاي نيوز عربية"، دعا إمحارف إلى "استثمار اللغة الأم في العملية التربوية، واعتبارها بعدا أساسيا في التنشئة والتلقين، بدل اعتبار هذا البعد الأساسي للكيان الاجتماعي للطفل منذ البداية مجرد عاهة خلقية".
وتابع المتحدث نفسه أن "تدريس الأمازيغية خاصة في المناطق ذات أغلبية ناطقة بهذه اللغة، من شأنه أن يساهم في تقليص نسبة التكرار والهدر والانقطاع الدراسي"، يضيف الأستاذ الجامعي، الذي طالب بأن "تتم هذه العملية بدون مزايدات من أي طرف كان؛ لأنها مسألة تهم جميع المغاربية".