أعادت وفاة المناضلة عائشة الشنا، الحديث والجدل في المغرب عن "الأمهات العازبات" وحق أطفالهن في إثبات النسب والحصول على كامل حقوق البنوّة.
وتنادي جمعيات حقوقية مغربية بتوفير الحماية لهؤلاء النساء اللواتي ينبذهن المجتمع، داعية إلى ضرورة حماية الأطفال الذين لا ذنب لهم، سوى أنهم ولدوا خارج إطار الزواج.
كما تطالب فعاليات نسوية بتعريف المجتمع بمعاناتهن وتمكينهن من جميع حقوقهن، إلى جانب نشر الوعي وسط الفتيات حتى لا تتكرر مثل هذه المآسي.
في ظل غياب أرقام رسمية، كشفت دراسة أنجزتها جمعية "إنصاف"، التي تعنى بالدفاع عن حقوق المرأة والطفل، أن ما يزيد عن 153 ولادة يوميا تنتج عن علاقات خارج مؤسسة الزواج بالمغرب.
تجارب مريرة
بصوت مختنق، تحكي نسرين (اسم مستعار)، شابة في بداية العشرينيات من عمرها، تفاصيل حملها من صديقها، وكيف تملص زميلها الذي يدرس معها بالجامعة من المسؤولية.
وتقول الشابة القاطنة بمدينة سلا والحامل في شهرها السادس، إنها انتقلت مضطرة للعيش في إحدى جمعيات الرعاية الاجتماعية بمدينة الدار البيضاء.
وأضافت: "لقد كنت أعتقد أننا في علاقة جادة ستفضي بنا إلى الزواج، لقد كان يعدني بأنه سيتقدم لخطبتي، وأننا سنتزوج بعد تخرجنا. لكن ما إن علم بحملي، أدار ظهره وتنكر لما فعله. حتى أنه غادر أسوار الجامعة. لم أعد قادرة على ملاقاة والدي، ولا أقوى حتى على الاقتراب من الحي الذي كنت أقطن به".
جمعيات حماية حقوق المرأة، تضج بشابات أخريات مثل نسرين، هربن بجلدهن من لوم الأقارب، منهن من تعرضت للاغتصاب ومنهن من تم التغرير بهن.
ضرورة تحيين القوانين
في تعليقها على الموضوع، قالت الدكتورة نجاة الكص، محامية بهيئة الدار البيضاء، إن الأمهات العازبات يعشن واقعا مأساويا، تزيده مرارةً نظرةُ المجتمع الذي لا يرحم، ولا يتقبل أمومة بلا زواج، إذ يُنظر للطفل الذي ولد خارج إطار الزواج كـ"لقيط"، والأم كمرتكبة لـ"ذنب".
وأضافت المناضلة الحقوقية، في حديث مع "سكاي نيوز عربية"، أن القانون المغربي سكت عن هذه الآفة، مرجعة ذلك إلى أن الاعتراف بهؤلاء الأمهات وأبنائهن، هو اعتراف ضمني بشرعية العلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج، وهو الأمر الذي يتنافى مع المرجعية الدينية التي تقوم على أساسها مدونة الأسرة.
وتابعت المتحدثة، التي تشغل أيضا منصب رئيسة الجمعية المغربية لتنمية أسرة الألفية الثالثة، أن الأم العازبة لا تملك أية حقوق تجاه الأب البيولوجي لطفلها، حيث يبقى هو بعيدا عن المشاكل، في الوقت الذي تضطر المرأة للمعاناة في تربية طفلها ومواجهة المجتمع لوحدها.
اجتهادات لحماية الأم
واستطردت الكص قائلة: "صحيح أن مدونة الأسرة جاءت بمقتضيات كثيرة لصالح الطفل، واعتبرت مصلحته هي الفضلى، بناء على ما جاء في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي صادق عليها المغرب، ويعتبرها مرجعا في هذا الصدد؛ إذ يقتضي الفصل 54 من المدونة أن للطفل الحق في النسب والجنسية والتعليم والنفقة، وغيرها من الحقوق. لكن بالمقابل، لم يذكر القانون أي شئ عن ابن ناجم عن علاقة غير شرعية".
كما لفتت الخبيرة في مجال القانون، أن هناك اجتهادا صادرا عن محكمة بمدينة سوق الأربعاء، أعطى لأم عازبة الحق في تسجيل ابنها في الحالة المدنية مع منحه لنسبها، إلى جانب حق سحب دفتر الحالة المدنية، قياساً على النيابة الشرعية للأم في حالة غياب الزوج، وهي سابقة في المغرب، إذ لا يوجد نص قانوني في هذه النازلة".
في هذا الصدد، عبرت الدكتورة عن أملها في تحيين النصوص القانونية، حتى تتمكن الأم العازبة من حماية مصالحها وضمان حقوق ابنها، وتمكينها من أخد دفتر الحالة المدنية، مطالبة بجعل هذا الاجتهاد الذي أقدمت عليه محكمة سوق الأربعاء قانونا يحمي الأم وطفلها بشكل أكبر.
حمل مشعل "ماما الشنا"
من جانبه، يقول عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الانسان، إن "إشكالية الأمهات العازبات تبقى من الطابوهات الخطيرة في المجتمع المغربي".
وتابح المتحدث، في تصريح خص به "سكاي نيوز عربية": "لقد وهبت الراحلة عائشة الشنا حياتها لخدمة هذه الفئة عن قناعة وعن إيمان بقضيتهن، رغم أنها إنسانة تؤمن بضرورة التحلي بالقيم الأخلاقية للمجتمع المغربي، التي ينهلها من الدين الإسلامي الحنيف، والتي تدعو إلى تجنب كل ما من شأنه التسبب في السقوط في مثل هذه الآفات".
لكنها، يسترسل المتحدث، بحكم متابعتها لهكذا حالات وتبنيها لقضيتهن، فقد أصبحت أشهر من يدافع عن الأمهات العازبات بالمغرب، لكن مشروعها للأسف كانت تتخلله الكثير من التحديات، خاصة ما بعد وضع هؤلاء النساء لمواليدهن، فالكثير منهن تسقطن في ممارسة الدعارة، وهناك حالات يتم فيها فقدان الجنين المولود في ظروف غامضة، وإشكالات عديدة يصعب حصرها.
وخلص عبد الإله الخضري، إلى "أننا اليوم أمام تركة الراحلة عائشة الشنا، والمجتمع المدني يصعب عليه أن يجد مثيلا لها، لكن من الممكن استثمار ذلك التراكم الذي تحقق وما ينبغي فعله في تقديري هو الحفاظ على المشروع الجمعوي وتأهيله من الناحية المؤسساتية على نحو يساهم في استمرارية الدور الذي يضطلع به، مع توفير السبل والإمكانات اللازمة لتطويره".