يتجه المُشرِّع الجزائري لتضييق الخناق على حركة تنقل الأموال المشبوهة المستخدمة لتمويل الجماعات الإرهابية، وذلك عبر مراجعة قانون الوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما، الصادر عام 2005.
وتسعى الجزائر من خلال تعديل القانون إلى مراقبة النشاط المالي للجمعيات والمنظمات غير الحكومية على وجه التحديد.
وحسب ما تضمنه مشروع القانون المعدل، فإن الجزائر ستوسع دائرة الهيئات المكلفة بمحاربة ظاهرة غسيل الأموال، لتشمل عدة وزارات منها السكن والرياضة والثقافة والعمل والمالية، التي سيكون لها مهام أوسع في مجال محاربة تبييض الأموال ومراقبة حركتها المشبوهة التي تصب في تمويل المنظمات والجمعيات المشتبه بتعاملها مع المنظمات الإرهابية.
ويدين القانون الأشخاص الذين يثبت تورطهم في القيام بمعاملات مالية أو غير مادية، مشبوهة لصالح المنظمات الإرهابية، عبر الوثائق أو الصكوك القانونية، أو عن طريق المعاملات الإلكترونية والرقمية، والسندات والحوالات والأسهم وخطابات الاعتمادات.
عملية معقدة
• أكد الخبير المالي والجبائي الجزائري سلامي بوبكر أن مهمة محاربة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب عملية معقدة تحتاج لفرض المزيد من الإجراءات الاحترازية، وتشديد القوانين بما يتماشى مع الاتفاقيات الدولية، على رأسها الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب التي وقعت عليها الجزائر عام 1999.
• أضاف بوبكر لموقع "سكاي نيوز عربية": "القانون بشكله الجديد يسعى لحماية الاقتصاد الوطني، وكذلك المساهمة في القضاء على المنظمات الإرهابية التي اكتشفت العديد من الثغرات القانونية في الفترة الأخيرة للحصول على التمويل والدعم المالي".
ويؤكد خبراء ماليون أن المنظمات الإرهابية تنظر للأنظمة الاقتصادية في الدول الريعية التي تعتمد على عائدات المحروقات كمصدر رئيسي للعملة الصعبة، كما هو شأن الجزائر، باعتباره مناخا مواتيا للنشاطات الاقتصادية المشبوهة وتبييض الأموال.
وقال الخبير في الشؤون المالية والاقتصادية الجزائري سليمان ناصر لموقع "سكاي نيوز عربية": "العصابات الإجرامية تبحث دائما عن مناخ اقتصادي تسوده الضبابية القانونية، والجزائر تسعى الآن بكل الطرق لمحاربته ذلك من خلال الرقمنة ومراجعة القوانين".
وتتزامن هذه الخطوة مع استحداث الجزائر قائمة وطنية للأشخاص والكيانات الإرهابية، وتصنيف حركتي "رشاد" الإسلامية وحركة "الماك" التي تدعو إلى استقلال منطقة القبائل منظمات إرهابية، حيث يمنع التعامل معها أو مع قادتها المتواجدين في الخارج بأي شكل من الأشكال.
وتصل عقوبة قيادة منظمة إرهابية في الجزائر إلى الإعدام، ويعاقب أي شخص ينشط أو ينخرط في تلك المنظمات بالسجن مدى الحياة.
وقد عرفت أروقة المحاكم الجزائرية خلال الثلاثة سنوات الأخيرة التي أعقبت الحراك الشعبي 2019، محاكمة عدة رجال أعمال بتهمة تبييض الأموال، كما أدت المتابعات القضائية لغلق مؤسسات إعلامية وحجز ممتلكات ومبالغ ضخمة أدين أصحابها بتهم غسيل الأموال.
المال المشبوه
كما سبق أن كشف تقرير ديوان الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة حول الفساد في الجزائر من 2010 إلى 2015، عن حجز ومصادرة أكثر من 815 مليون يورو خلال تلك الفترة، في تهم تتعلق بإدارة وتكوين جماعة أشرار وتبييض رؤوس الأموال.
وقال ناصر: "في السابق كانت هناك أموال كثيرة تتحرك في إطار تمويل الإرهاب، ومعظمها متعلق بتجارة الأسلحة والمخدرات والممنوعات، وقد حان الوقت لتشديد الخناق على تلك الممارسات لحماية الأمن القومي".
وأكد الخبير المالي أن التعديلات الجديدة جاءت لمواكبة التطورات الحاصلة على المستوى الدولي، في علاقة المال المشبوه بالمنظمات الإرهابية.
وقال: "الكثير من الأمور تغيرت على المستوى المالي والسياسي في السنوات الأخيرة، مما يقتضي مراجعة وتحيين القوانين وإعادة ضبط المصطلحات".
ويحذر خبراء القانون المالي من استخدام المصطلحات الفضفاضة في مثل هذه القوانين، مع التأكيد على ضرورة إكمال إجراءات التحقيق المالي قبل توجيه التهم والإدانة للأشخاص وأصحاب الجمعيات والمنظمات غير الحكومية.
وقال ناصر: "مثل هذه القوانين تتابع جرائم خطيرة، ومن الضروري أن تكون مضبوطة من حيث المصطلحات، فالمواد الفضفاضة من شأنها الإضرار بالاقتصاد وعرقلة التنمية، كما من يمكن إساءة استخدامها سواء عن قصد أو غير قصد".