لم تسلم الآثار الليبية من قصف الميليشيات في العاصمة طرابلس، حيث تتوالى القذائف على مبانيها التاريخية ومتحف السرايا الحمراء خلال الاشتباكات الجارية بين المسلحين المتصارعين على النفوذ.
وأظهرت مقاطع فيديو حصل عليها موقع "سكاي نيوز عربية" القذائف وهي تنهال على إحدى وجهات المدينة القديمة والمتحف. ونتيجة لذلك سقطت أجزاء من الطلاء الخارجي لأسوار المدينة، واندفع الموجودون في أسواقها للهروب.
وتقع المدينة القديمة وسط طرابلس التي تشهد حاليا اشتباكات ضخمة بين الميليشيات أسفرت عن قتلى وجرحى.
وعن ذلك، يوضح الصحفي الليبي سلطان الباروني، الموجود قرب المدينة القديمة، لـ"سكاي نيوز عربية" أن أصوات الاشتباكات قريبة جدا منها، ومن الوارد سقوط قذائف عشوائية عليها كما حدث في حرب "فجر ليبيا".
و"فجر ليبيا" اسم المعارك التي شنتها الميليشيات ضد أهالي طرابلس والجيش الليبي في عام 2014، ودمرت فيها مطار طرابلس وطال القصف والنيران الأحياء السكنية.
إجلاء السكان
وحسب الباروني فإن المنطقة أخليت تقريبا من المواطنين الفزعين، كما يسلك قائدو السيارات طرقا أخرى بعيدا عن المدينة.
ونبّه إلى أنه يصعب التأكد من حصول تضرر في الأسوار وحجمه، لعدم قدرة أحد على الاقتراب منها، لكن منزلا قريبا سقطت عليه قذائف هاون، تسببت في تحطم الواجهة واندلاع حريق فيه، ولم تستطع قوات الإطفاء الدخول بسبب شدة القصف.
وتدور المواجهات منذ ليل الجمعة، بين رتل للميليشيا التي يتزعمها عماد الطرابلسي، وارتكاز لـ"كتيبة 92" التي تتبع هيثم التاجوري، وتدخلت ميليشيات "دعم الاستقرار" التابعة لعبد الغني الككلي على خط المواجهات في صف قوات الطرابلسي، واقتحمت معسكر 77 الخاضع للتاجوري.
تاريخ 500 سنة
واكتسبت المدينة القديمة بطرابلس أهميتها الأثرية من تاريخها العائد إلى 500 سنة، وتحظى بمكانة عالية بين الليبيين.
ويحيط بها سور كبير ضخم من الأحجار القديمة، وفيها محال تجارية ومقاه تكتسب أجواء فريدة لوجوها وسط مبانٍ أثرية، والتي منها مقرات سابقة لقنصليات دول مثل أميركا وفرنسا وإسبانيا.
وكانت المدينة ملجأ لليبيين من الغزو والحروب، ويحتمي الجنود داخل أسوارها وهم يدافعون عن أنفسهم، وأسهمت في التصدي لأكثر من عدوان لاشتداد أبنيتها وصعوبة اختراقها، أما متحف السرايا الحمراء فيضم آثارا تؤرخ لعصور ليبيا القديمة وقبائلها.
ترميم وإعادة استخدام
وحماية لها، خضعت المدينة لترميم وتطوير عام 2009، وتم تحويل مبانيها المهملة إلى مقرات حكومية واستثمارية للاستفادة منها.
ومن أبرز المواقع المطورة، المبنى الرئيسي "بانكو دي روما" في ليبيا الذي بني عام 1917، وأصبح الآن فرعا لمصرف الأمة، ومبنى سجن تركي بني 1664 تحول لمقر للقنصلية الإسبانية وبعدها مكتبة أطفال، أما كنيسة العذراء مريم القديم المبنية عام 1615 فقد أعيد ترميمها، ويستخدم حاليا جزء منها ككنيسة وجزء آخر صالة لعرض الأعمال الفنية.
وتحولت المدينة لمركز تجاري ضخم بعد أن استوطن التجار داخل جدرانها، وبنوا المحلات على مساحة 48 هكتارا، وأبرز سلعهم الصوف، والمنسوجات والملابس، والورق، والحرير، والكبريت، والذهب، والأخشاب.
العبث الأمني
المؤرخ الليبي مفتاح المصباحي، يشير لأحد أسباب تعريض المدينة القديمة لصراع الميليشيات، وهو أن الجيل الحالي "يغفل قيمة هذه المباني، والانتصار السياسي أهم بالنسبة إليه من جدران شهدت على تاريخ ليبيا".
وبحسب حديث المصباحي لـ"سكاي نيوز عربية"، فهذه ليست المرة الأولى التي تتضرر منها المدينة جراء الاشتباكات، ففي 2014 تعرضت أبنيتها وأسواقها أيضا للقصف.
والآثار الليبية عامة تتعرض منذ 2011 للسرقة والنهب "وما لم يستطيعوا نقله أو بيعه دمرته الميليشيات في الحروب والنزاعات"، بتعبير المصباحي.