تعاني محافظة ديالى شرقي العراق، الغنية بالمواقع الأثرية والتراثية، من الإهمال والتجاوزات من جانب الأهالي وشبكات وعصابات تهريب الآثار والمتاجرة بها.
وتعتبر ديالى ومركزها مدينة بعقوبة، من أغنى المحافظات العراقية بالمواقع الأثرية، حيث تحتضن عددا كبيرا من المواقع، تعود لحقب حضارية سحيقة ومختلفة تعكس أهمية وادي الرافدين كمهد لحضارات عريقة، إلا أنها وفق الجهات الحكومية المعنية التابعة لوزارة الثقافة والسياحة والآثار العراقية، تعاني تجاوزات تشمل التهريب والتخريب.
وعن معاناة الآثار في المحافظة، يقول مدير تفتيش آثار وتراث ديالى أحمد عبد الجبار خماس، في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية": "محافظتنا معروفة بكنوزها الأثرية وأوابدها التاريخية حيث يصل عدد المواقع الأثرية فيها إلى 824 موقعا، فضلا عن 120 موقع تراثي تواريخها تعود لأقل من 200 عام. ومن أهم تلك المواقع، تل أسمر وهو بقايا عاصمة مملكة إشنونة، وتل كرستل وهو بقايا مدينة أرتميتا، وتل بنت الأمير عاصمة الساسانيين".
وأضاف خماس: "التجاوزات بحق هذه المواقع مستمرة بشكل متواصل سواء من قبل أفراد أو عصابات وشبكات التهريب والمتاجرة المنظمة بالآثار، أو حتى من جهات رسمية قد تخربها وهي تقوم بأعمال الطرقات وتوصيل الخدمات".
وتابع: "قد تقع الآثار أيضا في مناطق صراع مسلح كما حدث إبان وجود تنظيم داعش الإرهابي في المحافظة، أو بسبب تحولها لساحة حرب كما حصل مع مواقعها الأثرية في الشريط الحدودي مع إيران والتي تضررت كثيرا بسبب الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات".
وأشار إلى أن نوعا جديدا من التجاوزات ظهر مؤخرا ويتمثل بالنبش في المواقع الأثرية للبحث عن الآثار وسرقتها وبيعها.
وبيّن أن "ديالى هي حلقة وصل بين إقليم كردستان وبقية مناطق العراق وسطا وجنوبا، كما وأنها محافظة حدودية مع إيران، ولهذا وبحكم موقعها الجغرافي الحساس تنشط حركة تهريب الآثار منها وعبرها للخارج، وبيعها في السوق السوداء المزدهرة لتجارة الآثار المسروقة".
مكافحة التهريب
وفق خماس فإنه "تم اتخاذ جملة إجراءات كفيلة بالحد من هذه العمليات الخطيرة، حيث يتم بين فترة وأخرى إلقاء القبض على متورطين فيها ممن يحوزونها بطرق غير مشروعة وممن يروجونها ويهربونها".
وحول قانون الآثار العراقي، قال خماس: "القانون صارم جدا وينزل عقوبات غليظة بحق المتاجرين بالآثار والمهربين لها، لكن مع ذلك لا يمكن القضاء بشكل كامل على ظاهرة سرقة وتهريب الآثار، خاصة مع تفشي الفقر والبطالة والظروف الأمنية والمعيشية الصعبة في البلاد".
وفيما يتعلق بطبيعة شبكات تهريب الآثار، بيّن خماس: "هناك مافيات منظمة تنشط في تجارة الآثار وتهريبها وخاصة في المناطق الشمالية من ديالى التي كانت تحتلها داعش سابقا، حيث لا يخفى على أحد أن تهريب الآثار كان أحد مصادر تمويل التنظيم الإرهابي، كما أن هناك أيضا حالات فردية لأشخاص يحاولون سرقة الآثار وبيعها".
وبالنسبة لدور مؤسسته في حماية الآثار، قال خماس: "كدائرة آثار لدينا حراس مدنيون للمواقع الأثرية المختلفة بالمحافظة، لكن الأمر يتطلب جهودا أمنية واستخباراتية كبيرة تفوق طاقتنا وقدرتنا كجهة مدنية محلية، حيث أن سرقة وتهريب الآثار هي تجارة منظمة أشبه بتهريب المخدرات أو المشتقات النفطية أو الأسلحة، والتي تدر عوائد مالية ضخمة ما يعني أن مجابهتها تتطلب جهدا حكوميا كبيرا، وخصوصا لكون المحافظة مترامية الأطراف والمواقع الأثرية تنتشر في كل أنحائها".
ولا تختلف معاناة ديالى عن باقي المحافظات، من عمليات النهب والسرقة التي يتعرض لها قطاع الآثار العراقية، على مدى العقود الماضية، خاصة بفعل الحروب الداخلية والخارجية، واضطراب الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية في البلاد.
ويعد العراق من أغنى دول العالم بالآثار، لدرجة أن بعض الكنوز الأثرية والثقافية، لكثرتها تطفو على أسطح المواقع التاريخية أحيانا، بفعل العوامل البيئية والمناخية كالأمطار والسيول الجارفة .