تواجه ليبيا للعام الثالث على التوالي أزمة في توفير تطعيمات الأطفال، وصلت إلى اختفاء التطعيمات تمامًا خلال الأسابيع الأخيرة من المراكز الصحية، بما فيها لقاحات شلل الأطفال ومرض السل.
ووفق مدير إدارة التطعيمات في المركز الوطني لمكافحة الأمراض عبدالباسط إسميو، فإن تطعيمات الأطفال نفدت جميعها من المخازن، وذلك بعدما لم تصل طلبية العام 2022.
وأرجع إسميو، في تصريح صحفي، عدم وصول الطلبية إلى تأخر مصرف ليبيا المركزي في إتمام الإجراءات الخاصة بفتح اعتمادات مالية لاستيراد التطعيمات، رغم مرور 7 أشهر على تقديم المركز طلب جلب تلك التطعيمات، ودعا المسؤول الليبي المصرف المركزي للإسراع بالتدخل وحل المسألة.
نقص جميع التطعيمات
من جانبه، يؤكد مدير المركز الصحي في الأبيار القديمة (شرق البلاد)، محمد عمر يحيى، أن إمدادات مركز مكافحة الأمراض من التطعيمات توقفت تمامًا نهاية شهر يوليو.
واضطر المركز لإعلام الأهالي بعدم توفر التطعيمات، بما فيها المقدمة للأطفال حديثي الولادة حتى عمر 18 شهرًا.
وتتكرر هذه المشكلة بصفة منتظمة في ليبيا منذ ثلاثة أعوام، وسبق أن أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" أنها رصدت نقصًا حادًّا في اللقاحات الأساسية منذ أبريل 2020، مشيرة إلى أن أكثر من 250 ألف طفل معرضون لخطر الإصابة بالأمراض نتيجة هذا النقص.
وضمن اللقاحات الغائبة، اللقاح المضاد لمرض السل، الذي يعد القاتل المُعدي الأول في العالم، إضافة إلى اللقاح سداسي التكافؤ الذي يقي من الدفتيريا والتيتانوس والسعال الديكي وشلل الأطفال والمستدمية النزلية والالتهاب الكبدي الوبائي، ولقاحات شلل الأطفال والحصبة.
المخزون الاستراتيجي
حسب الخبير الاقتصادي الليبي، نور الدين حبارات، فإن الحكومات المتعاقبة خلال الأعوام الأخيرة لم تتجه إلى إنشاء احتياطي استراتيجي من أي سلعة أساسية، ومن ضمنها أدوية الأمراض المزمنة والخطرة واللقاحات والتطعيمات، التي عادة ما تتعرض مخزوناتها للاستهلاك سريعًا، وتعطل استيرادها يعرض حياة المواطنين للخطر.
والمعتاد أن تشرف الدولة مباشرة على هذه الأدوية والتطعيمات واللقاحات عبر جهاز الإمداد الطبي خصمًا من مخصصات الدعم في الميزانية، إلا أن حبارات يوضح: "رؤية توفير السلع الاستراتيجية غابت تمامًا، وتوفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين مسؤولية تقع على عاتق الحكومة، من خلال دراسات وخطط واستراتيجيات، وجهد وشغل مستمر، وليس من خلال تصريحات ووعود إعلامية جوفاء لا تترجم إلى أمر على أرض الواقع".
وإضافة إلى عواقب غياب التطعيمات على صحة الأطفال، يواجه عدد كبير من الليبيين، بما فيهم الأطفال، أخطار التعرض لأمراض ناجمة عن سوء التغذية.
وفي أحدث تقرير لبرنامج الغذاء العالمي عن الوضع الغذائي في الشرق الأوسط، جاء أن الوضع في ليبيا هش وخطير بسبب نقص الحبوب والسلع الأساسية نتيجة الأزمة الروسية الأوكرانية، وثلث الليبيين تقريبًا يعانون انعدام الأمن الغذائي، و1.2 مليون (من بين أكثر من 6 ملايين هم عدد السكان) لديهم عدم كفاية استهلاك الغذاء.
وإضافة للفوضى الأمنية التي تضرب البلاد منذ 2011، وحرب أوكرانيا، تعاني ليبيا من تداعيات "أزمة الحكومتين"؛ حيث ترفض الحكومة منتهية الصلاحية بقيادة عبد الحميد الدبيبة تسليم السلطة للحكومة المنتخبة من البرلمان بقيادة فتحي باشاغا؛ ما يعطل دولاب العمل الحكومي عن توفير الخدمات.
كما أن إقدام جماعات مسلحة على إغلاق حقول النفط، مصدر الدخل الوحيد، أثَّر على حجم الميزانية، فيما يتم تصريف أجزاء أخرى منها إلى نفقات غير شرعية حسب تقارير صادرة عن ديوان المحاسبة في الأشهر الأخيرة.