رغم قصص الموت المرعبة التي تتحدث عن المئات من الذين تبتلعهم أمواج البحر المتوسط سنويا؛ يصر الآلاف من الشباب السودانيين على خوض المغامرة ودفع أغلى الأثمان من أجل الوصول إلى البلدان الأوربية عبر سماسرة الهجرة غير الشرعية؛ فما الأسباب التي تدفعهم نحو ذلك؟
يصطف يوميا في مراكز استخراج جوازات السفر بالعاصمة الخرطوم؛ المئات من الشباب من الذين تتراوح أعمارهم ما بين الـ 20 و40 عاما؛ معظمهم لا يعرف بالضبط الوجهة التي سيذهب إليها؛ لكن الأهم بالنسبة لهم هو الخروج من البلاد بأي ثمن كان حتى إن كان هذا الثمن هو حياته التي يبحث عن مستقبل أفضل لها.
وفي العام الماضي؛ فجع السودانيون بغرق 9 شباب في شواطئ تونس جميعهم من قرية واحدة تقع قرب العاصمة الخرطوم، أثناء محاولتهم عبور البحر المتوسط مع مجموعة من الأفارقة والعرب.
وبعد أيام من تلك الحادثة روى لموقع "سكاي نيوز عربية" أحد الناجين واسمه مرتضى أزهري عن الكيفية التي يقع بها الشباب في مصيدة سماسرة الهجرة؛ ويقول "قضينا نحو أسبوعين بين الصحاري السودانية والشادية والليبية؛ وكان يزج بنا المهربين مع نحو ثلاثين آخرين في سيارة "بك أب" صغيرة بالكاد تسع لسبع اشخاص".
ويضيف "بعد وصولنا إلى إحدى المدن الشاطئية في ليبيا رتب لنا أحد المهربين رحلة إلى شواطئ إيطاليا عبر مركب صغير وضع فيه أكثر من 140 شابا من مختلف الجنسيات(...) بعد ساعات قليلة من أبحارنا، وفوجئنا بموجة عاتية أغرقت المركب وتمكنت أنا وآخرين من التشبث بالعوامات حتى وصلت مركبة اخرى وأجلتنا إلى الشواطئ التونسية واكتشفت هناك أن 9 من أصدقائي كانوا ضمن 43 ضحية ابتلعتهم مياه البحر".
ولم تقنع تلك المآسي والقصص الكارثية الشباب السودانيين من الاستمرار في المجازفة. يقول "م.ع" الذي تحدث لموقع "سكاي نيوز عربية" من أحد مراكز استخراج الجوازات في الخرطوم إنه لا خيار أمامه سوى المجازفة والوصول إلى أوروبا والالتحاق بأصدقاء سبقوه في ذات الطريق.
ويشير الشاب البالغ من العمر 28 عاما إلى أنه وبعد 5 سنوات من التخرج ونيل شهادته الجامعية في مجال الهندسة الكهربائية لم يجد ما يمكن أن يمنحه الأمل في تحقيق متطلباته الحياتية، وهو ما دفعه لاختيار طريق الهجرة الصعب.
ويوضح "قررت خوض غمار السفر عبر سماسرة التهريب رغم علمي بالمآسي التي تعرض لها الكثيرين(...) أنا أعيش بلا أمل".
ومثل "م.ع" هنالك العشرات ممن يخرجون من السودان إلى دول مجاورة لتلمس طريق الهجرة إلى أوروبا، لكن معظمهم يقع صيدا سهلا لسماسرة محترفين ويعملون بلا أي أسس أخلاقية.
ووفقا للباحثة الاجتماعية ثريا إبراهيم، فإن العامل الاقتصادي هو الدافع الأكبر الذي يقف وراء اختيار معظم الشباب لاختبار طريق الهجرة غير الشرعية؛ إضافة إلى عوامل أخرى تتعلق بحالة الاحباط والطموح الزائد لدى البعض.
وتوضح ثريا في حديث لموقع سكاي نيوز عربية أن معظم الشباب لا يجدون فرص العمل المناسبة التي تمكنهم من الاستقرار داخل البلد.
وتضيف "لدى الكثير من الشباب طموحات لا توفرها ظروف الحياة الحالية في البلاد، كما أن الإغلاق الطويل للجامعات زاد من رغبة الكثير من الشباب للبحث عن مخرج إما لإكمال دراستهم، أو لإيجاد فرص عمل لمساعدة أسرهم في بلد تتزايد فيه معدلات الفقر بشكل مخيف".
وتشير التقديرات إلى ارتفاع معدلات البطالة في أوساط الشباب في السودان إلى أكثر من 40 في المئة؛ في ظل المشكلات الاقتصادية الكبيرة التي تعاني منها البلاد حاليا؛ وهو ما يجعل الكثير من خريجي الجامعات وحملة الشهادات العليا للبحث عن مستقبل أفضل خارج البلاد؛ كما تدفع الأوضاع الأمنية والسياسية حتى الميسورين او الحاصلين على وظائف للتفكير في الهجرة.
ونظرا لصعوبة الحصول على تأشيرات دخول للبلدان الأوروبية، فإن الطريق الوحيد المتاح أمام معظم الشباب هو طريق الهجرة غير الشرعية المحفوف بالمخاطر.