تشهد ليبيا زيادة ملحوظة في أعداد المقدمين على الانتحار وسط من لم يستطيعوا التكيف مع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تلاحق البلاد منذ سنوات.
ووفق أخصائيين نفسيين واجتماعيين تحدثوا لموقع "سكاي نيوز عربية" فإن فقدان الأمل في الحصول على فرصة عمل، وما ينجم عن هذا من ضغوط حياتية يعد من أبرز أسباب الانتحار، مقدّمين نصائح لملاحظة علامات تظهر على من يقرر الإقدام على هذه الخطوة.
وكلّفت وزارة الشؤون الاجتماعية مراكز الدراسات الاجتماعية بإجراء دراسة عاجلة لحالات الانتحار بعد ملاحظة انتشارها، وشملت زيارات ميدانية وبحوثًا اجتماعية وإنجاز تقرير مفصل بالإجراءات الكفيلة للحد من هذه الظاهرة.
ووفقًا لآخر إحصائية لمنظمة الصحة العالمية، اطلعت عليها "سكاي نيوز عربية"، فإن متوسط أعداد المنتحرين كل عام يتخطّى 350 حالة، وهي في زيادة مستمرة.
ونشرت مديرية أمن طرابلس دراسة مؤخرًا أوضحت أن غالبية ضحايا الانتحار من الشباب الذكور بنسبة 58.8 في المئة، أعمارهم بين 21-30 عامًا، وغالبيتهم بلا عمل ومن ذوي الدخل المحدود.
وأحالت الدراسة الأسباب إلى الضغط النفسي الناجم عن تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية وانتشار المخدرات.
وحسب بيانات البنك الدولي، فإن في ليبيا إحدى أعلى معدلات البطالة في العالم، منذ سقوط نظام حكم معمر القذافي سنة 2011.
ويعجز كثير من الخريجين عن الحصول على وظيفة؛ فيضطرون للهجرة، وبعضهم ينضم للميليشيات المسلحة التي تعد الأكثر استقرارا ماليا الآن لكثرة مصادر تمويلاتها.
تربة خصبة
ويعلق الأخصائي الاجتماعي الليبي عطية ماجد، بقوله إن ليبيا بعد عام 2011 أصبحت تربة خصبة لزرع بذرة الانتحار في رأس المواطنين ممن يرون أن مستقبلهم على المحك.
ويقارن ماجد أحوال اليوم بما كانت عليه قبل 2011، مشيرًا إلى أن الشاب كان حينها يُعين فور تخرجه، وتعطيه حوافز لإكمال تعليمه في الخارج، وتيسر له الأموال لشراء الأراضي وبناء المنازل للزواج.
غير أنه بعد 2011، "اختفت أوجه الدعم وزادت البطالة بشكل مرعب وأًصبح مستقبل الشباب مظلمًا"، بتعبير ماجد.
ووفق الأخصائي الاجتماعي، فإن القطاع الوحيد الذي يستقبل الشباب الآن، ويواظب على دفع الرواتب هو القطاع العسكري أو الميليشياوي؛ نظرا لكون السلطة العليا في البلاد الآن بيد الميليشيات.
وراسمًا صورة لهذا الحال، يتابع: "فلك أن تتخيل شابًّا جامعيًّا حاصلًا على درجة علمية كبيرة، وعند تخرجه لا يجد جهة توظفه سوى الميليشيات المتنازعة، وفي نفس الوقت يكون خلال عمله معرضًا للقتل.. هذا يدفع الشباب للانتحار أو الهجرة ولو بطرق غير شرعية".
علامات على المنتحر
ووفق مختصين، فإن خطوة الانتحار لا تأتي فجأة، لكن تسبقها علامات نفسية وسلوكية تظهر على المنتحر مدة قبلها.
وفي هذا الصدد، تشير الطبيبة النفسية مودة المصباحي، إلى بعضها قائلة إنها علامات يسهل تمييزها، ومنها الشعور بالحزن لفترة طويلة، التقلبات المزاجية، الغضب، وكثرة الحديث عن المستقبل والخوف من تقلبات الحياة، الانعزال عن الآخرين، التوقف عن أنشطة معتادة، إضافة إلى مشاكل في النوم، ثم الهدوء المفاجئ، وهذا يعني أنه اتخذ قرار الانتحار ويفضل أن يعيش آخر لحظات حياته صامتًا.
وأكدت المصباحي بدورها أن الأزمات الاقتصادية والحياتية والعاطفية أكثر الأسباب التي تدفع المواطنين للانتحار.