تعول الجزائر على مواردها الطبيعية الهائلة من أجل كسب رهان تنويع الاقتصاد، فيما تعتبر الاحتياطات المنجمية ورقة رابحة ضمن خطة الخروج من دائرة المحروقات، خصوصا في ظل ارتفاع أسعار المواد الأولية والمعادن في الأسواق الدولية.
وتتحرك الجزائر على عدة مستويات خلال السنة الجارية 2022، في إطار تنفيذ خطة تهدف إلى الوصول نحو 7 مليار دولار كرقم صادرات خارج المحروقات تدرها عليها مختلف القطاعات والميادين الاقتصادية.
ومن بين الأوراق المطروحة فوق طاولة قطاع الطاقة والمناجم تأتي تثمين الموارد المعدنية والاستثمار في الثروات المنجمية التي يزخر بها باطن الأرض خاصة في الجنوب الكبير من "كنوز" نائمة تحت رمال الصحراء من معادن الحديد والصلب، الزنك والفوسفات، الذهب ومعادن نفيسة وغيرها.
ويمثل الارتفاع المستمر لأسعار المعادن والمواد الأولية في الأسواق الدولية على غرار الحديد وتزايد الطلب عليها من طرف الاقتصاديات الدولية فرصة من ذهب للجزائر من أجل استخراج ورقة احتياطاتها المنجمية الهائلة وهو الأمر الذي من شأنه تقليص فاتورة الاستيراد.
إنعاش قطاع المناجم
تعمل الجزائر في الأشهر الأخيرة، على إنعاش قطاع المناجم وتحويله إلى قاطرة للاقتصاد الوطني، وهذا من خلال رفع مستويات إمكانياته التكنولوجية بشراكات أجنبية خاصة مع الجانب الصيني، كما يعمل قطاع الطاقة على تكثيف برامج الاستكشاف المنجمي وزيادة فرص الاستثمار وتشجيع المستثمرين الأجانب والمحليين على الدخول إلى هذا الحقل المدر للثروة.
ومن بين أبرز المشاريع الصناعية المنجمية التي عرفت النور في الأشهر الأخيرة، تأتي مشاريع تحويل الفوسفات (تبسة)، استغلال الزنك والرصاص بواد أميزور (بجاية) وتطوير مكمن الحديد في غار جبيلات (تندوف).
وفي هذا السياق، اعتبر الخبير في الطاقة، أحمد طرطار أن "البدائل متاحة أمام الجزائر في إطار سياسة تنويع مداخيل البلاد بغية الخروج تدريجيا من عباءة المحروقات (النفط والغاز)"، مبرزا أن "الاهتمام بالقطاع الزراعي والسياحي اللذان يتصلان بمواسم معينة لا يكفي ولذلك لا بد من العمل على الثروات المنجمية التي يحتضنها باطن الأرض من أجل كسب ورقة المعادن".
وأشار طرطار في حديث مع موقع سكاي نيوز عربية إلى مختلف الشراكات التي اعتمدتها الجزائر مع شركائها الأجانب في إطار استغلال الكنوز المنجمية، خاصة ما تعلق بمشروع استغلال منجم الحديد بغار جبيلات في ولاية تندوف ومشاريع استغلال فوسفات بلاد الحدبة بولاية تبسة الذي اعتبر بأنه يمثل "آمال الساكنة وقطب تنموي للمنطقة وبعض ولايات الحدود الشرقية لما يوفره من مناصب عمل للشباب".
وأكد الخبير في الطاقة أن الشراكات الدولية "مهمة" في هكذا مشاريع جديدة، بحيث أنها تعود بالفائدة على التجربة الجزائرية بخصوص الاستثمار في المناجم، وهذا من خلال توفير تكنولوجيا البحث الجيولوجي والمنجمي كما أنها تمنح رؤية أخرى لترويج منتوجاتنا في الخارج.
"عملاق الحديد" يستفيق
ويعتبر دخول منجم الحديد الضخم بغار جبيلات في أقصى جنوب غرب الجزائر العمل باحتياطات تقدر بأكثر من 3 مليار طن العمل فرصة ستسمح بإنتاج 2 إلى 3 مليون طن من خام الحديد في المرحلة الأولى (2022-2025)، ثم 40 إلى 50 مليون طن سنويا ابتداء من 2026.
وتستورد الجزائر حاليا ما قيمته مليار دولار سنويا من المواد الأولية الخاصة بمصانع الحديد، ولذلك ستتوجه بعد الإستغلال نحو تصدير هذه المواد الأولية من هذه الصناعة بعد تحقيق هدف الاكتفاء الذاتي.
كما يعمل مُجمع "مناجم الجزائر" المكلف بالكشف عن موارد معدنية جديدة واستغلالها على مخطط تطوير وتثمين مناجم خام الحديد بـ"الونزة" و"بوخضرة" بولاية تبسة أقصى شرق الجزائر والذي سيسمح بإنتاج نحو 6 مليون طن سنة 2030.
وبحسب الخبير في الاقتصاد والاستثمارات، عبد القادر سليماني فإن الجزائر تتبنى استراتيجية جديدة فيما يخص قطاع المناجم من خلال الاستكشاف بقطاع التعدين والنشاطات المنجمية في إطار خطة تنشد تحقيق تنمية شاملة ومستدامة على مدى السنوات المقبلة.
وفي حديث جمعه بـموقع سكاي نيوز عربية أكد الخبير سليماني على أن "دخول منجم الحديد بغار جبيلات مرحلة التجسيد معولا على مستوى احتياطاته الجيولوجية الكبيرة فرصة للجزائر لتحقيق الاكتفاء الذاتي من هذه المادة الحيوية في مختلف الصناعات وسيمكن من جلب مبالغ هامة للخزينة العمومية عبر التصدير واقتحام الأسواق الخارجية".
وأشار المتحدث أيضا إلى مشاريع تحويل الفوسفات التي قال إنها ستساهم في تنمية تلك الجهات الشاسعة، علاوة على توفير مناصب الشغل لساكنة عدة ولايات حدودية من شرق البلاد.