تسببت الحرائق المندلعة في مرتفعات عدد من محافظات تونس الخضراء، في الأيام الأخيرة من شهر يوليو، في إتلاف آلاف الهكتارات من الغطاء الغابوي على امتداد غابات برقو وعين بوسعدية وجبل البياض وجبل بوقرنين ودار فاطمة وببّوش وغيرها من المناطق الجبلية.
وفي وقت أكدت فيه الإدارة العامة للغابات أنه تم التدخل بنجاح لإخماد 15 حريقا اندلع بالغابات التونسية، تستمر تساؤلات سكان المناطق المحيطة عن أسباب هذه الحرائق، فيما يرجح الكثيرون فرضية شبهة الجريمة وتورط البعض في إشعال النيران عمدا بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة.
هذا وقد أكد الدفاع المدني أن المساحات المُحترقة قدرت بنحو 3 آلاف هكتار وذلك في الفترة الممتدة بين غرة يونيو و26 يوليو الجاري، فيما تسببت الحرائق في الفترة نفسها من العام الماضي في إتلاف 690 هكتارا.
وتحوم الشبهات حول طبيعة الحرائق المندلعة والمتورطين فيها، ويرجح خبراء البيئة أن الكثير منها مفتعل وتقف وراءه دوافع إجرامية.
وقال الناشط البيئي عبد المجيد دبار، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن "العشرية الماضية في تونس شهدت ارتفاعا لوتيرة الحرائق والغريب أن اندلاع أكثرها يتزامن مع أيام الأعياد والعطل وفي الساعات المتأخرة من الليل، مما يسمح باستبعاد فرضيات وقوف التغيرات المناخية والأسباب الطبيعية وراء هذه الحرائق".
وأضاف الناشط البيئي أنهم "لاحظوا أن معدلات الحرائق تتضاعف كلما اشتدت التجاذبات السياسية، مما يعني أننا لسنا بمنأى عن وجود فاعل متعمد وراء هذه الجرائم تجاه الطبيعة والبلاد"، مشيرا إلى أن "الخسارة البيئية في تونس كبيرة جراء هذه الحرائق حيث أن بعض الغابات يمكن أن تتجدد مع نزول الأمطار في فصل الخريف بينما يصعب أن تنبت أصناف كثيرة من أشجار الصنوبر والأشجار الغابية إلا بعد سنوات طويلة، مما يضر بالغطاء النباتي الغابي بشكل كبير".
من جانبه، أكد المدير الجهوي للدفاع المدني بمحافظة زغوان حمدي الوصيف لموقعنا أن "التحقيقات جارية لمعرفة ما إذا كانت بعض الحرائق حدثت بفعل عمل إجرامي أو بسبب ارتفاع درجات الحرارة ونوعية الغابات"، مضيفا أن السلطات الأمنية تتعهد بالتحقيق لكشف الأسباب فيما يعمل الدفاع المدني على وقف نزيف حرائق الغابات التي امتدت على آلاف الهكتارات من المناطق الغابية والمرتفعات".
وعلق الخبير في البيئة والتغيرات المناخية حمدي حشاد أن "اشتعال أكثر من 2000 هكتار من الغابات في نفس المنطقة وفي ظرف وجيز يبدو غريبا خاصة وأن الأسباب الطبيعية لا يمكن أن تمثل علميا سوى 4 في المئة فقط من أسباب الحرائق وتتعلق بالتغيرات المناخية التي تساعد على اشتعال النيران مثل الصاعقة والبركان أو تسرب الغازات إلى قلب الأرض طبيعيا أما بقية الأسباب فتتعلق بالسلوك البشري سواء كان متعمدا أو غير مقصود".
وأوضح حشاد، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن عددا من حرائق الغابات التي نشبت في تونس خلال السنوات الأخيرة "تورط فيها باعثون عقاريون سعوا للتخلص من الغابات من أجل كسب مساحات عقارية لإقامة الفنادق والمنتجعات السياحية ورجال أعمال متاجرين في الخشب استفادوا من أشجار الغابات المشتعلة"، داعيا لمحاسبتهم بتهمة الإرهاب الإيكولوجي ضد الغابات والإضرار بالطبيعة.
وقال خبير البيئة والتغيرات المناخية إن "مسؤولين سياسيين سابقين ثبت تورطهم في حرائق الغابات من أجل بناء عقارات مطلة على البحر كما تجري التحقيقات حاليا مع ثلاثة أشقاء تبين أنهم تسببوا في حريق جبل بوقرنين الأخير".
وذكر أن "الدوافع الإجرامية والجنائية لإحراق الغابات والجرائم الإيكولوجية ثبتت في تونس كما في فرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة وفق تقارير إعلامية".
وخلص حمدي حشاد إلى أن معدل الحرائق في تونس قبل الثورة "كان لا تتجاوز 3 هكتارات سنويا ثم أصبحنا نتحدث في عام 2013 عن خسارة 14 ألف هكتار وفي عام 2021 عن اشتعال 27 ألف هكتار من الغابات"، بما يعني أن الإفلات من العقاب فاقم من هذه الجرائم الإيكولوجية لصالح المستفيدين منها ومن بينهم "مافيا الخشب المحروق، الذين يبيعون الخشب المرحي لشركات تربية الدواجن والباعثين العقاريين الذين يستغلون المساحات المحروقة لتشييد المنتجعات الغابية متناسين دور الغابات في الحماية من زحف الرمال".
واعتبر، في الختام، أن الحل هو "تطبيق قانون الإرهاب على المخالفين والذي ينص على أن الإضرار بالغابات وتدميرها وحرقها لا يقل عنفا وتخريبا عن التفجيرات واستهداف الأبرياء، خاصة و أن حرق الغابات يتسبب في انجراف التربة وردم السدود مسببا نقصا في الماء ومساسا بالأمن الغذائي والمائي".