يواجه أكثر من نصف سكان السودان البالغ عددهم نحو 40 مليون نسمة خطر الإصابة بأمراض يسببها تلوث المياه.
وعلى الرغم من مرور أكثر من 11 نهرا دائما وموسميا في أراضي البلاد، إضافة إلى وجود مخزون يقدّر بأكثر من 15 مليار متر مكعب من المياه الجوفية في أكثر من 50 في المئة من مساحة البلاد، إلا أن معظم مياه الشرب التي تصل إلى السكان عبر شبكات التوزيع تكون إما ملوثة أو غير كافية.
كذلك هنالك هوة كبيرة بين مستوى تطوير شبكات ومحطات الضخ، والتوسع الجغرافي والبشري الذي شهدته العاصمة الخرطوم والمدن الأخرى خلال السنوات الماضية.
وأرجع عبد الرازق مختار المدير الأسبق لهيئة توفير المياه في ولاية الخرطوم، تلوث مياه الشرب لثلاثة أسباب أحدها موسمي يتعلق بموسم الأمطار، والثاني يرتبط بنقص مواد وأجهزة المعالجة، في حين يتمثل الثالث في تقادم شبكات التوزيع وتراجع مستوى كفائتها.
وأوضح مختار لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن فترة الخريف تشهد عادة زيادة موسمية في معدلات الطمي ما يؤدي إلى تغير في لون المياه ويؤثر على جودتها وهو أمر كان يمكن معالجته في حال وجود محطات وأجهزة ومواد كافية للمعالجة.
وقال مختار إن شبكات توزيع المياه "تعاني من مشكلات كبيرة بسبب تقادمها وعدم كفايتها"، مضيفا أن "كفاءة معظم شبكات التوزيع تراجعت بشكل ملحوظ وأصبحت واحدة من الأسباب التي تؤدي إلى تلوث المياه إذ تسبب الكسور المتكررة في الكثير من الأحيان إلى اختلاط مياه الشرب بالمياه الراكدة أو المخلفات".
ويتسبب تلوث مياه الشرب في رفع معدلات الإصابة بالأمراض المنقولة عبر المياه الملوثة خصوصا الملاريا التي وصلت معدلات الإصابة بها بحسب منظمة الصحة العالمية إلى نحو 1.8 مليون نسمة أي قرابة الـ5 في المئة من سكان السودان، إضافة إلى السرطانات والفشل الكلوي والحمى التيفية والإسهالات.
ويؤدي انتشار أمراض المياه إلى رفع الكلفة الصحية لتلك الأمراض والتي تقدرها تقارير مستقلة بنحو 490 مليون دولار سنويا، في حين يحتاج السودان إلى أقل من هذا المبلغ بكثير لتأهيل الشبكات وتنقية المياه، وفقا لمنظمة المبادرة السودانية لحماية البيئة.
وتوضح الأمم المتحدة في هذا السياق أن صرف دولار واحد على الصرف الصحي وتنقية المياه يوفر على الحكومات 4.9 دولارات من المصاريف التي تخصص لمواجهة الكوارث الصحية والبيئية الناجمة عن تلوث المياه.
وتشير تقارير إلى حدوث خروقات كبيرة خلال السنوات الماضية في عمليات معالجات وإمدادات مياه الشرب في البلاد، مما أدى إلى وفاة الآلاف نتيجة الإصابة بأمراض ذات صلة بتلوث المياه وتراكماتها، إضافة إلى إهدار مئات الملايين من الدولارات نتيجة صفقات فاسدة متعلقة باستيراد المواد الكيميائية التي تستخدم في تنقية المياه.
وهنالك حالات كانت فيها عمليات الفساد مركبة، إذ أضرت بالإنسان والدولة معا، لأنها شملت إدخال مواد غير مطابقة وفي ذات الوقت تم تمويلها من بنوك وطنية دون ضمانات كافية.
وفي هذا السياق، حذرت أديبة السيد اختصاصية الصحة العامة وعضوة اللجنة التنفيذية لمكتب أطباء السودان الموحد من خطورة الكوارث الصحية الناتجة عن تلوث مياه الشرب، قائلة إن "أكثر من 70 في المئة من الأمراض المنتشرة بالبلاد ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بتلوث مياه الشرب".
وبيّنت السيد لموقع "سكاي نيوز عربية" أن الكثير من الأمراض مثل التيفوئيد والكوليرا وأمراض الكلى والجهاز الهضمي غالبا ما يكون السبب المباشر لها هو تلوث المياه.
وأبدت السيد استغرابها من إهمال مشكلة تلوث المياه، لافتة إلى أن كلفة معالجة مياه الشرب تقل كثيرا عن الأضرار التي تسببها.