أثيرت حالة من الجدل في مصر بعدما طالبت محكمة جنايات المنصورة بتعديل تشريعي يجعل تنفيذ عقوبة الإعدام على جرائم القتل علانية، على غرار ما يحصل عند ارتكاب الجرائم علانية وتصويرها ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويوم الأحد، أصدرت محكمة جنايات المنصورة، حيثيات حكمها بالإعدام شنقا للمتهم محمد عادل قاتل نيرة أشرف، طالبة جامعة المنصورة.
وتضمنت الحيثيات أنه "لمَّا كان قــد شَاعَ في المُجتمع - مُـؤخرًا - ذبحُ الضحايا بغَـير ذَنبٍ جَهارًا نهارًا والمَهوسُـونَ بالمِـيديا يـَبثُون الجُـرمَ على المَلأ فيرتاع الآمنونَ خَوفًا وهَلعًا، وما يَـلبَث المُجتمع أن يُفجعْ بمثلِ ذاتِ الجُرم من جديد، فمِـن هذا المُنطلَقِ، ألَـمْ يأنِ للمُـشرع أنْ يَجعلَ تنفيذ العقابِ بالحَق مَشهودًا، مِثلما الدمُ المَسفوحُ بغير الحَـقِّ صَار مَشهودًا؟ ".
وشملت الحيثيات كذلك أن المحكمة" تُـهيبُ بالمشرع، أنْ يَـتَناولَ بالتعديلِ نَصَ المادةِ الخامسةِ والستين، من قانونِ تنظيمِ مَراكز الإصلاح والتأهيل المُجتمَعي المُنظمةِ لتنفيذِ عُـقوبةِ الإعدام؛ لِتُجـيزَ إذاعةَ تنفيذ أحكام الإعدام مُصَورةً على الهواءِ، ولو في جُــزءٍ يَسيرٍ من بَـدءِ إجراءاتِ هذا التنفيذ، فقد يكونُ في ذلكَ، ما يُحَققُ الـرَّدعَ العامَ المُبتَغَى الذي لم يَتحقق - بَعد - بإذاعة مَنطوق الأحكام وَحدَه".
وأثارت تلك المطالبة جدلا واسعا بين مؤيدين يرون أن تنفيذ عقوبة الإعدام علانية سيحقق الردع المطلوب، بينما يرى معارضون أن ذلك سيجعل المجتمع يعتاد مشاهد القتل ويغذي روح التشفي والانتقام الذي يبعد تماما عن منطق تحقيق العدالة.
سعي إلى الردع
أستاذ علم الاجتماع بجامعة الزقازيق هدى زكريا، أيدت دعوة محكمة جنايات المنصورة، مؤكدة أن تنفيذ عقوبة الإعدام علانية مطلوب في الوقت الحالي الذي شهد فيه المجتمع تحولات كبيرة وأصبحت الجرائم ترتكب دون رادع أو تخوف من العواقب.
وأضافت في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية" أن هناك فارقا بين الردع والعقاب، فالردع هو الذي يجعل من لم يرتكب جريمة يخشى العقاب، بينما العقاب هو العقوبة الطبيعية المقررة على كل جريمة.
وتابعت أن المحاكم تحاول كثيرا في سبيل تحقيق الردع إنزال عقوبات مشددة على المجرمين الذين يرتكبون جرائم تهدد المجتمع وتروعه، كمرتكبي جرائم الاغتصاب أو الابتزاز أو القتل في الشارع، ولكن تظل العقوبات شبه مخفية عن الناس لأنهم لا يرون المجرم وقت تنفيذ العقوبة فيه وبالتالي لا يتخيلون حالته ولا أنفسهم مكانه حال ارتكابهم نفس الجريمة.
وأوضحت أنها حين عملها في الولايات المتحدة الأمريكية كانت شاهدة على حضور عدد كبير من المعنيين لتنفيذ عقوبة الإعدام في مجرم بعينه مما يحقق الردع والقناعة بأن أي جريمة ستكون عقوبتها قاسية.
واتفق معها المحامي بمحكمة النقض محمد إصلاح، في أن تنفيذ عقوبة الإعدام علانية أمر مطلوب في المجتمعات ذات الكثافة السكانية الكبيرة كمصر، وأن هذا مطبق بالفعل في دول كثيرة كثافتها مشابهة للكثافة السكانية بمصر.
وأضاف في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية" أنه قديما كان الإعدام علنيا في بعض الحالات بمصر، الردع يتحقق بإشهاد الناس كافة أن من قتل يقتل وليس لأحد أن يوجد له عذر أو يبيح دم القتيل مهما كانت الأسباب والدوافع".
"تأثير عكسي"
في المقابل، قال المحامي شعبان سعيد إنه يختلف تماما مع دعوة محكمة جنايات المنصورة لجعل عقوبة الإعدام علانية، مشيرا إلى إنه إذا حدث ذلك فسيكون التأثير عكسيا لأن المجتمع سيألف رؤية عمليات الإعدام وإزهاق الأرواح ومن ثم ستكون عمليات القتل أمر طبيعي في الأجيال القادمة.
وأوضح في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية" أن الردع يتحقق بنشر أنه تم تنفيذ عقوبة الإعدام في المدان بجريمة قتل، وليس مطلوبا إذاعة عملية الإعدام نفسها، لأن هذا الأمر يخالف منطق تحقيق العدالة التي تقوم على عدم التشفي وليس الانتقام، كما أن إذاعة عمليات الإعدام تعرض القائمين عليها لخطر الانتقام من أهل المحكوم عليهم بالإعدام، ومن ثم فالأضرار أكثر من الفوائد.
وينص قانون الإجراءات الجنائية ولائحة السجون المصرية على تنفيذ عقوبة الإعدام بشكل مخفي عن أعين الناس ويحدد من يسمح لهم بالحضور وهم القائمون على التنفيذ والنيابة العامة التي من حقها أن تسمح لمن يطلب وله علاقة بالقضية أن يحضر بإذن خاص منها.