في الذكرى الخامسة لتحرير مدينة الموصل من تنظيم داعش الإرهابي، وهي مركز محافظة نينوى شمالي العراق، أعتبر العديد من الموصليين العيد عيدين هذه المرة، مع تزامن تلك الذكرى مع حلول عيد الأضحى هذا العام.

وتمكن أبناء المدينة من أداء صلاة العيد داخل الجامع النوري الكبير لأول مرة منذ طرد داعش من المدينة، ما يعكس وفق المراقبين استتاب الأمن والاستقرار لحد كبير في الموصل التي تسعى جاهدة لنفض غبار ما لحق بها من دمار وخراب على يد التنظيم الإرهابي، الذي أحتل المدينة في شهر يونيو من العام 2014، معلنا إياها معقلا رئيسيا لخلافته المزعومة بالعراق.

ورغم أنه خلال السنوات الماضية قد شهدت الموصل جهودا ومحاولات لإعادة الإعمار والبناء وترميم ما دمره الإرهاب، ما انعكس تراجعا نسبيا لآثار دمار الحرب البادية عليها وأنقاضها في مختلف أنحاء المدينة، وخاصة على صعيد ترميم معالمها التاريخية والثقافية المهدمة، وخاصة مشروع إعادة بناء وترميم الجامع النوري الكبير المنفذ والممول من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة ومنظمة الأمم المتحدة للعلم والثقافة والتربية (اليونسكو) ضمن مبادرة "إحياء روح الموصل".

لكن سكان الموصل يطلبون تزخيم تلك الجهود ومضاعفتها وتخصيص ميزانيات أكبر للنهوض بالمدينة المنكوبة مجددا، والتي دفعت الضريبة الأكبر جراء احتلال داعش لأجزاء ومساحات واسعة من البلاد على مدى 3 أعوام من 2014 ولغاية 2017.

حيث دمر التنظيم الإرهابي نحو 60 ألف منزل في المدينة، علاوة على تسببه بتدمير نحو 80 بالمئة من البنى التحتية في الموصل، وتهجير مئات الآلاف من أهاليها الذين نزحوا لمناطق أخرى ولبعض دول الجوار.

وتعليقا على أوضاع الموصل بعد 5 سنوات من التحرير، يقول أيوب ذنون الناشط الحقوقي والمدني، وهو من أبناء الموصل، في حديث مع سكاي نيوز عربية: "في ذكرى النصر الخامسة على داعش، يستذكر الموصليون اليوم ولا شك حجم الدمار المهول الذي تعرضت له مدينتهم الآمنة، وكيف أنهم بسواعدهم وإرادتهم تمكنوا من إعادة الحياة للموصل، التي تنهض رغم الصعاب وبتضافر الجهود الدولية مع جهود أهلها".

مع الأسف، يضيف ذنون: "الجهود الحكومية لا زالت دون المطلوب بل هي ضعيفة، حيث العديد من البنى التحتية والمرافق الحيوية هنا لا زالت متخلفة كالمستشفيات والجسور والطرقات وحتى المطار، ونحن كأبناء مدينة الموصل نناشد بهذه المناسبة وعبركم الجهات الحكومية المعنية الإسراع في رفع وتيرة عملية إعادة البناء والإعمار وتعويض المتضررين، ورفع أنقاض الحرب وطي تركتها الثقيلة".

واستدرك: "لكن رغم كل شيء فإن الموصل رغم الدمار الهائل الذي لحق بها، تنهض من جديد حيث نشهد الآن عودة الحياة بقوة لها، وتنتعش حركة الأسواق والناس والتجارة، ويعاد بناء وتطوير مرافق عامة وبنى تحتية عديدة فيها".

أخبار ذات صلة

"كنز أسرار داعش".. من هو أبو الحسن القرشي؟
هجوم " الموصل".. ما هي مؤشرات تحركات داعش في معقله السابق؟
بعد طرد داعش وترميمها.. كنيسة مار توما تستعيد رونقها
داعش يعلن عن حملة "ثأر" لزعيمه السابق

ويقول مدير مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، في حوار مع سكاي نيوز عربية: "ما تحقق في الموصل هو مع الأسف فقط انتصار عسكري، حيث نعم هزم داعش وخسر ما سماه عاصمته في العراق، لكن ما بعد ذلك لم يتحقق شيء يذكر، سيما وأن الحكومة آنذاك وضعت خططا لإعادة الإعمار والمصالحة المجتمعية، بفعل طبيعة السياسات الخاطئة للحكومة العراقية اللاحقة ومقارباتها لوضع الموصل، والتي لم تتعاطى مثلا مع مؤتمر المانحين الذي انعقد بالكويت، وبالتالي فقدت الموصل وغيرها من محافظات عراقية متضررة فرصة ثمينة لتلقي الدعم في مجالات إعادة الإعمار والتعويضات وإعادة النازحين، علاوة على عدم المضي كما يجب بالمصالحة الاجتماعية بالموصل التي كان من المفترض أن تتم بالتعاون مع الأمم المتحدة".

ويضيف الشمري: "أوضاع الموصل على صعيد الخدمات وإعادة تأهيل البنى التحتية وبناء ما تهدم، لم يطرأ عليها تحولات كبيرة، رغم الاستعادة الجزئية للحياة المدنية فيها، وعلى وقع عمليات لإعادة الإعمار والتطوير في المدينة وخصوصا في المدينة القديمة، كمشروع ترميم وإعادة بناء الجامع النوري الكبير والمأذنة الحدباء وكنيسة الساعة، والذي تم بتمويل ومبادرة مشكورة من كل من منظمة اليونسكو ودولة الإمارات العربية المتحدة، لكن الموصل تبقى بحاجة لخطة نهوض وطنية شاملة للملمة جراحها وإعادة ألقها".

بدوره يقول علي البيدر الكاتب والباحث العراقي، في لقاء مع سكاي نيوز عربية: "ما تحقق في الموصل وبقية المناطق المحررة من الإرهاب لا يرقى مع الأسف لحجم التضحيات، التي دفعتها تلك المناطق وخصوصا محافظة نينوى، وتحديدا على صعيد الدمار الذي لحق بالبنى التحتية والخدمية من مستشفيات ومدارس ومنتزهات ومرافق عامة، علاوة على أن انتشار ظاهرة السلاح المنفلت في المحافظة، يعرقل بشكل كبير تنفيذ مشاريع إعادة البناء والإعمار وعودة النازحين والمهجرين، والعديد من البرامج التنموية والخدمية والإصلاحية فيها".

ويسترسل البيدر في شرح المشهد الموصلي: "ثمة شعور بالغصة بشكل عام لدى الموصلين جراء بطء وتراخي عمليات إعادة التأهيل والبناء فيها رغم مضي سنوات على تحريرها، حيث أن لسان حال أهالي الموصل يرى أنه لا زال ثمة الكثير مما يجب أن يقدم لهم ولمدينتهم، ولا سيما أن الوضع الاقتصادي فيها صعب للغاية، حيث تتفشى البطالة والفقر في المدينة التي هي معروفة تاريخيا بكونها مركزا تجاريا واقتصاديا محوريا، ليس على صعيد العراق فقط بل والمنطقة ككل".

هذا ووفق تقديرات حكومية عراقية فإن عمليات إعادة بناء وإعمار الموصل تقدر بملياري دولار أميركي، لكن تقديرات المنظمات الأممية والسلطات المحلية في الموصل تشير إلى أن تكلفة إعادة الإعمار تلك أعلى بكثير وتتراوح ما بين 12 إلى 15 مليار دولار أميركي.

هذا وكان العراق قد أعلن في العاشر من شهر يوليو من عام 2017، تحرير مدينة الموصل وإخراجها من يد تنظيم داعش الإرهابي، بعد قرابة 10 أشهر من المعارك الدامية التي بدأت في شرق المدينة، وامتدت لغربها، مسفرة عن دمار كبير فيها خصوصا في المدينة القديمة.