حالة من الغموض وغياب الرؤية تعيشها العملية السياسية في العراق، بعد استقالة نواب التيار الصدري من البرلمان، في قرار مفاجئ، اتخذه الصدر، في وقت بدأ "الإطار التنسيقي" إجراء مباحثات داخلية لمتابعة تداعيات تلك الخطوة.
ووجّه الصدر، الأحد، بتقديم استقالات أعضاء الكتلة الصدرية إلى رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، بعد فشل تشكيل "حكومة أغلبية" رغم مرور 8 أشهر من الانتخابات النيابية، معتبرًا أنها "تضحية من أجل الوطن".
وقال الصدر، في بيان كتب بخط اليد، إن "على رئيس الكتلة الصدرية، حسن العذاري، أن يقدم استقالات الأخوات والإخوة في الكتلة الصدرية إلى رئيس مجلس النواب"، مقدمًا الشكر "لما قدموه في هذه الفترة القصيرة"، كما قدم الشكر "لحلفائنا في تحالف إنقاذ الوطن لما أبدوه من وطنية وثبات، وهم الآن في حل مني".
وتعني تلك الاستقالة، انتهاء تحالف "إنقاذ الوطن" الذي تشكل بتحالف الصدر مع رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، ورئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني.
معارضة شعبية
تباينت آراء المحللين العراقيين إزاء تلك الخطوة وتداعياتها على العملية السياسية، وفيما إذا كانت ستصب في صالح استقرار الوضع السياسي أم إنها ستعمّق الأزمات التي يعيشها العراق، خاصة أن قرارات الصدر غير ثابتة، وهو ما يضفي مزيدًا من القلق الشعبي والسياسي.
وخلال الأشهر الماضية، سعت قوى "الإطار التنسيقي" إلى تشكيل حكومة توافقية، بمشاركة الصدر، حيث تخشى تلك القوى من سيناريو ذهاب الصدر، نحو المعارضة السياسية، لما يعنيه ذلك من خطر على الحكومة المقبلة وإمكانية إسقاطها في فترة وجيزة.
لكن الصدر ذهب إلى خيار أبعد من المعارضة السياسية، وهو "المعارضة الشعبية"، إذ سيلجأ إلى الشارع لتحقيق مراده، وهو ما سيشكّل على الدوام قلقًا لدى القوى السياسية التي ستشكل الحكومة المقبلة، في ظل تجربة عام 2016، عندما اقتحم أنصار الصدر المنطقة الخضراء ومبنى مجلس النواب، قبل أن يطلب منهم الصدر الانسحاب سريعًا.
بدوره، يرى المحلل السياسي، عماد محمد، أن "خطوة التيار بالتحول إلى معسكر المعارضة الشعبية، وبرصيد جماهيري هائل، ستؤخذ بنظر الاعتبار من قبل تحالف الإطار الذي لن يمضي بتشكيل الحكومة مطلقًا، تحسبًا لردة فعل الشارع العنيفة، وتحسبًا للموقف الدولي وطبيعة تعامله مع الحكومة التي تخلى عنها أكبر الفائزين".
وأضاف محمد، في تصريح لـ"سكاي نيوز عربية"، أن "الصدر في الشارع أقوى من البرلمان والحكومة، وهذه المرة ستكون أحزاب تشرين معهم، لكن ذلك قد يفجر احتجاجات واسعة، وستكون أعنف وأوسع، وربما ستُنهي فوضى العملية السياسية، أملًا في صناعة عملية سياسية عراقية دون إملاءات خارجية".
ورفعت تلك الاستقالة، رصيد الكتل السياسية الأخرى، من النواب، بسبب قانون الانتخابات الذي ينص على أن المرشح الأعلى أصواتًا سيكون محل النائب المستقيل في نفس الدائرة، وهو ما سيرفع نواب عدة تحالفات إلى أرقام أعلى، مثل ائتلاف دولة القانون، بزعامة نوري المالكي، الذي سيحصل على نحو 10 مقاعد، بينما سيحصل تحالف الفتح بزعامة هادي العامري على نحو 15 مقعدًا، إضافة إلى النواب المستقلين، وهو ما سيغير توازن القوى بشكل تام.
اتجاه نحو حل البرلمان
وتعتقد أوساط عراقية بأن الحكومة المقبلة إن تشكلت دون التيار الصدري، فإنها ستكون بالغة الهشاشة، تتهددها قدرة الصدريين على تحريك الجماهير وذخيرتهم من الخبرة الاحتجاجية المتراكمة.
من جهته، يرى الخبير في الشأن العراقي الدبلوماسي السابق، غازي فيصل، أن "خطوة الصدر جاءت لوضع تنظيمات الإطار التنسيقي أمام مواجهة الحقيقة، والمسؤوليات الكبرى، أمام الشعب العراقي، بعد ممارسة إفشال الآليات الديمقراطية، وتعليق الدستور، عبر المقاطعة وعبر ما أطلق عليه (الثلث المعطل)، وهو ما وضع العملية السياسية ومجلس النواب والدستور أمام تحديات كبرى، وتعطيل كامل، لجميع قدراته وقدرات الحكومة، ولثمانية أشهر".
وأضاف فيصل، في تصريح لـ"سكاي نيوز عربية"، أن "السؤال الكبير اليوم، هو هل أن نواب الحزب الديمقراطي الكردستاني سيستقيلون أيضًا؟ وكذلك نواب تحالف السيادة، وبالتالي عبر تلك الاستقالات سيتم الإعلان عن حل مجلس النواب، أو هل سيذهب السيادة والديمقراطي، بتقديم مشروع قرار بحل البرلمان، والذهاب نحو انتخابات مبكرة أخرى"، مشيرًا إلى أن "هناك العديد من الأسئلة مطروحة دون أجوبة، بانتظار ما ستتمخض عنه قرارات وسياسات الأطراف الأخرى في مجلس النواب".
وينص الدستور العراقي على آلية حل البرلمان، وهي أن المجلس يُحل بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه بخيارين؛ الأول بناء على طلب ثلث أعضائه، والآخر طلب من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية.