اندلعت مواجهات مسلحة في منطقة الفرناج في العاصمة الليبية، بين مجموعات مسلحة تتقاتل لأجل بسط نفوذها على تلك المنطقة الاستراتيجية، في ظل تدهور الحالة الأمنية، وبشكل حاد، في طرابلس خلال الأسابيع الماضية.
وقالت مصادر محلية، لـ"سكاي نيوز عربية"، إن الاشتباكات دارت خلال الساعات الأولى من صباح الإثنين، حيث سمع أصوات دوي إطلاق النار.
والفرناج هي من أكبر الضواحي في منطقة سوق الجمعة بطرابلس، ويعد موقعها استراتيجيًّا، حيث تعد بوابتها الجنوبية، وجميع الطرق بها تؤدي إلى قلب العاصمة، كما أن بها كثافة سكانية كبيرة، وهي مركز تجاري بسوق الجمعة، وبها العديد من المؤسسات العامة والخاصة المهمة.
كانت المنطقة مسرحًا لمواجهات عنيفة خلال الشهور الماضية، حيث دارت بها اشتباكات بين ما يسمى بـ"الشرطة القضائية" التابعة لـ"ميليشيا الردع"، و"قوة دعم الاستقرار"، وذلك في أكتوبر العام 2021، استخدمت خلاله مختلف الأسلحة الآلية، ثم كانت "الشرطة القضائية" طرفًا في صراع آخر مع "ميليشيا 777"، وذلك في فبراير الماضي، وذلك في منطقة الجزيرة، قرب منطقة عين زارة، وذلك بعد خلاف حول التمركزات المسلحة.
لكن أعنف حلقة في مسلسل الاشتباكات كانت في مطلع يونيو الجاري، حيث دخلت "الشرطة القضائية"، مدعومة بمجموعات مسلحة أخرى، في صراع مع ميليشيا "ثوار طرابلس" التي يقودها "أيوب بوراس"، حول السيطرة على مقر جهاز الأمن الداخلي (المخابرات).
ونجحت "الشرطة القضائية"، التي يقودها "أسامة نجيم"، في بسط سيطرتها على المقر، لكن الأمر كلفها سقوط نحو خمسة من عناصرها، حسب ما كشفته مصادر لـ"سكاي نيوز عربية"، في حينه.
دولة داخل الدولة
قال الباحث السياسي الليبي محمد قشوط، إن الميليشيات صنعوا منظومة، تحولت إلى "دولة داخل الدولة"، مشيرًا إلى تعدد وقائع الانفلات الأمني في طرابلس، والغرب الليبي عمومًا، خلال الفترة الماضية بدءًا باقتحام مقرات لمؤسسات عامة، وصولًا إلى الاشتباكات في جنزور وطرابلس والعجيلات والزاوية، والاغتيالات في مدينة صبراتة.
ويرى قشوط أنه من الخطأ الاعتقاد بأن نهاية تلك المجموعات يتأتى بالتفاوض مع قياداتها على الخروج بشكل آمن من المشهد مع ما نهبوه، لأنهم يسعون للحفاظ على مكاسبهم، والنفوذ الذي حازوه في المؤسسات والوزارات، متكئين على العلاقات التي أبرموها مع أطراف دولية.
وشدد على أن الحديث معهم يجب أن يكون في الإطار الأمني، بمعنى تحديد مستقبل أفراد تلك الميليشيات، وكيفية دمجها ضمن مشروع وطني يؤهلهم للعودة كمواطنين صالحين ينبذون العنف، لكن لا يمكن التفاهم معهم حول رؤى سياسية، لأن الأمر سينتهي بـ"ليبيا" إلى استنساخ تجارب دول فاشلة مكنت للمجموعات المسلحة من لعب أدوار في قيادة بلدانها.
ويؤكد المحلل السياسي الليبي عز الدين عقيل، أنه لا سبيل لحل الأزمة الليبية واستعادة هيبة الدولة، إلا باحتكار القوة ووضع حد للميليشيات وفوضى السلاح "عبر برامج وتجارب استخدمت في دول كثيرة حول العالم".
وأضاف عقيل أن العاصمة تعاني تحت سيطرة الميليشيات والمجموعات المسلحة، التي تتصارع على النفوذ والسيطرة، ويتبعون سياسة تكميم الأفواه مع المواطنين الذين فاض بهم الكيل من هذه الممارسات.
وأشار إلى أن افتعال المواجهات والاشتباكات، ما هو إلا طريقة لتأكيد استمرار حالة العنف والفوضى، وأنهم يوصلون رسالة ببقائهم في المشهد وقطع الطريق أمام أي جهد للتوصل إلى حلول سياسية تقود لاستقرار البلاد.