وسط "آمال التغيير"، شهد اقتراع المغتربين في الانتخابات النيابية اللبنانية مشاركة واسعة مع دعوات سياسية ودينية لعدم مقاطعتها بالداخل، اعتبرها محللون "نتيجة مخاوف تتزايد من انفراد حزب الله بالسلطة ومن ثم توسيع عزلة لبنان ودخوله في نفق مظلم".
وبلغت نسبة اقتراع المغتربين في الانتخابات البرلمانية اللبنانية المزمع إجراؤها داخل البلاد في منتصف الشهر الحالي، نحو ستين في المئة، حيث صوت حوالي 130 ألف مغترب لبناني من أصل 225 ألفاً مسجلين في عملية الاقتراع في الخارج، التي جرت يومي الجمعة والأحد في 58 دولة، وفق أرقام أولية أعلنتها وزارة الخارجية اللبنانية.
وكانت هذه المرة الثانية التي يتاح فيها للمغتربين المخولين الاقتراع المشاركة في انتخاب النواب الـ128. وفي انتخابات العام 2018، الأولى التي شارك فيها المغتربون، بلغت نسبة مشاركتهم 56 في المئة، إذ صوّت نحو خمسين ألفاً من إجمالي قرابة تسعين ألفاً سجلوا أسماءهم.
والانتخابات البرلمانية هي الأولى بعد انتفاضة شعبية عارمة شهدها لبنان خريف 2019 طالبت بتنحي الطبقة السياسية وحمّلتها مسؤولية التدهور المالي والاقتصادي والفساد الذي ينخر مؤسسات الدولة. وينظر كثيرون إلى الانتخابات كفرصة لتحدي السلطة.
وفي إجراء لافت، وجهت دار الفتوى بلبنان تعميما على أئمة المساجد لحث اللبنانيين على المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، مؤكدة أن "الامتناع عن المشاركة في الانتخابات هو الوصفة السحرية لوصول الفاسدين السيئين إلى السلطة. وإن تكرار الأخطاء جريمة".
عزلة لبنان
وتعقيبا على ذلك، قال الصحفي اللبناني، عماد سيف الدين، إنّ "البلاد غارقة في أزمات سياسية واقتصادية حادة منذ عدة سنوات، والطبقة السياسية رغم فسادها الذي نخر مؤسسات الدولة لم تتنح بل تحاول أن تزيد من هيمنتها ونفوذها في ظل انسحاب تيار المستقبل".
وأضاف سيف الدين، لموقع "سكاي نيوز عربية"، أنّه "رغم الإحباطات التي أصابت ناشطي الحراك لا تزال هناك رغبة واسعة في الإطاحة بالطبقة الحاكمة منذ عقود، حيث أفرز الحراك الشعبي عددا أكبر من المرشحين المناوئين للأحزاب التقليدية مما كان الوضع عليه في انتخابات 2018".
وأشار إلى أن "أحزاب السلطة تستخدم الأموال والرشاوى لاستقطاب الناخبين مستغلين حاجة الناس التي هم بالأساس السبب الرئيسي فيها، وبدلا من أن تكون هناك ندية حقيقية سمح انسحاب تيار المستقبل بتغول حزب الله وأنصاره، حيث يخدمهم امتناع الكثير من السنة عن التصويت، فضلا عن تشرذم أصواتهم نتيجة غياب الحريري".
وأكد على أن هناك "رغبة لبنانية واسعة في التغيير، حيث إن أي سيطرة لحزب الله على البرلمان تعني عزل لبنان ودخوله في نفق مظلم في وقت يحتاج فيه بشدة إلى الدعم الدولي، حيث يعيش ثلاثة أرباع السكان تحت خط الفقر، ولذلك فإن المقاطعة لن تكون لصالح البلاد".
ووفق "مبادرة سياسات الغد"، وهي مؤسسة بحثيّة مقرها بيروت، يشكل المرشحون المعارضون والمستقلون 284 من إجمالي 718 يخوضون السباق الانتخابي، مقارنة مع 124 مرشحاً عام 2018.
الرئاسة هدف حزب الله
بدوره، قال الكاتب والمحلل السياسي اللبناني، فادي عاكوم، إن المشهد الانتخابي في لبنان أثر عليه انسحاب تيار المستقبل، وباتت هناك حرب على الحصول على حصته، ويقاتل حزب الله بكافة الطرق الشرعية وغير الشرعية من أجل الحفاظ على كتلته أو زيادتها.
وأضاف عاكوم، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "القوات اللبنانية" تحاول الوقوف بوجه حزب الله للحصول على حصة تيار المستقبل لكن الحزب يستخدم نفوذه وأمواله من أجل حسم المسألة.
وأكد المحلل السياسي اللبناني على أن غياب تيار المستقبل وكذلك ضعف دور الحراك في الشارع خلال العام الماضي، من أسباب سطوة الحزب، لافتا إلى أن التحركات إذا بقيت مستمرة كانت ستساهم في تغيير فعلي أو مقبول في المجلس النيابي الجديد، لكن مع الانهيار الاقتصادي الذي حدث صار اللبنانيون همهم الأول تأمين لقمة العيش.
وشدد على أن حزب الله يقاتل بكل الوسائل للحصول على أكبر كتلة ممكنة، لكون أن البرلمان هو من يختار الرئيس المقبل، ولذلك يصر على أن يبقى أكبر عدد من الأوراق الرابحة بيده.
وفي 17 أكتوبر 2019، اندلعت مظاهرات شبابية في لبنان واستمرت لأشهر قبل أن تتراجع تدريجياً على وقع تفشي فيروس كورونا ثم انفجار مرفأ بيروت المروّع في 4 أغسطس 2020، الذي أودى بحياة أكثر من مئتي شخص وألحق دماراً واسعاً بأحياء العاصمة، عدا عن تسارع وتيرة الانهيار الاقتصادي الذي صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850.