وصلت تداعيات الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان إلى حد تعذر إصدار جوازات سفر للمواطنين، مع إعلان المديرية العامة للأمن العام التوقف عن تلقي طلبات الحصول على جوازات نتيجة قرب نفاد مخزون الجوازات لديها، وعدم توفر التمويل اللازم لشراء كميات جديدة.
وساهم الإعلان في نشر أجواء البلبلة والقلق والغضب في الشارع اللبناني، وانتشر رفض فكرة "السجن في لبنان" كما قال أحد المواطنين الذي ينتظر موعد إصدار جواز سفر جديد له بعد شهرين وفق المنصة الخاصة لذلك، بينما ستضيع منه فرصة عمل في إحدى الدول العربية.
ويطمح أكثر من نصف الشعب اللبناني للهجرة بحسب أحدث استطلاع للرأي أجراه "البارومتر العربي"، وهو مؤسسة تملك أكبر قدر من البيانات المتاحة حول آراء المواطنين.
وعلم موقع "سكاي نيوز عربية" من مصادر معنية أن وزير الداخلية بسام مولوي وقع على عقد مع الشركة الموكلة طباعة جوازات السفر بعد وروده من ديوان المحاسبة، مما يعني أن الأزمة في طريقها إلى الحل قريبا.
وكانت المديرية العامة للأمن العام أطلقت في وقت سابق منصة رقمية لتسجيل طلبات الحصول على جواز سفر، بعد الهجمة الكبيرة من اللبنانيين لتجديد جوازات سفرهم أو الحصول على جوازات جديدة.
وقبل عطلة عيد الفطر أُعلن أولا عن وقف العمل بهذه المنصة "لحين قيام المعنيين بتأمين الأموال المطلوبة، لتنفيذ العقد المبرم مع الشركة التي تم التعاقد معها لإنجاز جوازات السفر".
وتحت عنوان "خبر سار"، نشرت وسائل إعلام لبنانية قبل يومين خبرا مفاده أن مجلس الوزراء يطلب تسديد مبلغ 300 مليار ليرة للشركة الفرنسية التي ستطبع جوازات السفر، لشراء 400 ألف نموذج جديد.
وتبلغ قيمة المبلغ المطلوب، الذي يؤكد مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم أنه عالق في وزارة المال، حوالي 15 مليون دولار، واستغرب المسؤول عدم المسارعة لتأمين المبلغ علما أن المردود المادي لهذه الجوازات يفوق 5 أضعاف قيمة إصدارها.
وكان إبراهيم قد أشار في حديث تلفزيوني سابق إلى أن الموضوع قد يتطلب تعديلات قانونية، واصفا الأزمة بـ"المعقدة"، وكشف عن توقيف عسكريين تواطأوا أو سهلوا عمل "سماسرة جوازات"، تمهيدا لإحالتهم إلى المجلس التأديبي.
وقالت المديرية العامة للأمن العام في بيان إن عام 2020 "شهد ضغطا كبيرا على طلبات جوازات السفر، فاق عشرات أضعاف الأعوام السابقة، مما أثر على مخزون جوازات السفر لديها".
ومن جهة أخرى قال رب أسرة قرر السفر مع أولاده إلى خارج لبنان لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن "اللبنانيين يعانون الأمرّين أصلا من جواز سفرهم الذي يتطلب إجراءات كثيرة ومذلة للحصول على تأشيرة لزيارة أي دولة، فيما يسمح لمواطني كل الدول بالدخول إلى لبنان من دون تأشيرة، في غياب فاضح لمبدأ المعاملة بالمثل".
وقال الأستاذ المساعد في كلية الأمير محمد بن سلمان للإدارة وريادة الأعمال، المتخصص بالحوكمة، طارق المصري، إن "أزمة جواز السفر في لبنان ناجمة عن خلل بين العرض والطلب، والمشكلة بالعرض من الدولة لأنها تفتقر للكميات الكافية التي تلبي المطلوب، ولا تملك العملة الصعبة لدفع كلفة طباعتها".
أما عن شق الأزمة المتعلق بالطلب من المواطنين، فأوضح المصري في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "الطلب على جواز السفر ارتفع بسبب الأزمة الأخيرة، فقرر كثيرون السفر جماعيا لانعدام فرص العمل مما ساهم بزيادة الطلب على الجوازات".
وأضاف: "الدولار اليوم يبلغ أكثر من 26 ألف ليرة، مما يعني أن كلفة جواز السفر للبناني هي 46 دولارا على سعر الصرف، مما يجعله في المرتبة 99 من أصل 165 في العالم من حيث التكلفة، أي أنه يعتبر، مقارنة بغيره، رخيصا وفي المتناول".
وختم المصري: "المؤسف أن جواز السفر اللبناني هو في سابع أسوأ مركز بالعالم، ويمثل رغم ذلك جسر عبور للنجاة وللهروب، وهذا ما زاد الطلب عليه".
ويتهافت اللبنانيون منذ انفجار مرفأ بيروت على تجديد جوازات سفرهم أو إصدار جوازات جديدة، لعدم شعورهم بالأمان خاصة من جراء التفاقم المستمر للأزمة المالية والاقتصادية.