حمل الدبلوماسي البريطاني المخضرم، إيان مارتن، الغربَ المسؤولية عما آلت إليه ليبيا عقب التدخل الدولي في العام 2011، و"السماح للميليشيات بتخريبها"، وذلك في كتاب يروي فيه شهادته على ما حدث خلال هذه الفترة وما تلاها، حيث شغل في حينها منصب أول رئيس لبعثة الأمم المتحدة للدعم لدى ليبيا.
وصدر الكتاب الجديد تحت اسم "كل الإجراءات الضرورية؟ الأمم المتحدة والتدخل الدولي في ليبيا"، ويقدم تحليلا لأحداث فبراير، وفترة بعد سقوط نظام العقيد معمر القذافي، عندما اتهم الداعمان الرئيسيان في التدخل العسكري، وهما بريطانيا وفرنسا، بالتخلي عن ليبيا.
الغرب تجاهل خطر الميليشيات
ونبه الكتاب إلى تحذير تقرير "التقييم المسبق" للأمم المتحدة في حينه، من انتشار الجماعات المسلحة، وقال إنه "لا يُعرف سوى القليل عن تكوين وتنظيم وتسليح وترتيبات القيادة والسيطرة للميليشيات على جانب المجلس الوطني الانتقالي"، إلا أن المسؤولين الغربيين لم ينخرطوا في إيجاد الحلول، بعد تجربتهم مع العراق وأفغانستان، إذ كانوا ضد المشاركة "في بناء الدولة" الليبية.
ويقول مارتن إن المسؤولية الكبرى عن الفشل في إصلاح قطاع الأمن الليبي، تقع على عاتق الحكومات الغربية التي ساعدت المقاتلين وسلحتهم، كما ارتكب القادة الليبيون أخطاء، "لا سيما قرار وضع الجماعات المسلحة على رواتب الحكومة بدلا من حلها".
كما أقر أيضا بفشل بعثة الأمم المتحدة التي كان يقودها، في تعزيز الحوار السياسي، حيث قللت المنظمة الأممية من تقدير عاملين "الصراع بين الإسلاميين والجماعات والكتائب السياسية الأخرى، والتنافس بين الأطراف الخارجية في ليبيا"، معقبا: "تفاقمت الفوضى خلال السنوات التالية مع دخول لاعبين جدد للساحة".
التدخل في ليبيا "قصة مؤسفة"
بشكل عام، "كان التدخل في ليبيا العام 2011 قصة مؤسفة، وكان الدافع من ورائه جزئيًا هو مبدأ مسؤولية الحماية الجديد، والذي بدا أنه يبشر بالكثير"، حسب ما يرويه مارتن في كتابه.
وأضاف: "بدلاً من ذلك، أدت الأخطاء الفادحة التي ارتكبت في ليبيا إلى إلحاق ضرر كبير بالعقيدة، تُظهر تجربة ليبيا أن مسؤولية المتدخلين ليست فقط الرد والوقاية، بل المتابعة وإعادة البناء. وإلا فإنه يصبح أكثر بقليل من تدمير غير مسؤول".
الميليشيات هي "المشكلة الجوهرية"
يتفق المحلل السياسي الليبي عز الدين عقيل، مع رؤية أن الميليشيات هي "المشكلة الجوهرية"، وأن نزع السلاح وتفكيكه خيار لا غنى عنه من أجل إعادة سيادة الدولة الليبية، وقد أغفله الغرب خلال الفترة الماضية، رغم أن ليبيا لن تصل إلى الاستقرار إلا باحتكارها القوة.
ويشير عقيل إلى أن بقاء الميليشيات يعني استمرار تأزم الوضع الليبي، إذ إن المجموعات المسلحة تفرض سطوتها على المؤسسات العامة، وتضع معاييرها الخاصة لتقلد المناصب، بما يقيد وصول الكفاءات الليبية الحقيقية إلى مراكز الإدارة العامة، كما أن وجودها واحتكارها للسلاح يعنيان عدم الوصول إلى مؤسسة عسكرية موحدة وقوية في البلاد، أخيرا سيطرتها على النقد الأجنبي وتجارة العملة وفرضها للإفلاس الفني على البنوك، وتدميرها لشبكة الأسواق الوطنية.
الغرب يتحمل المسؤولية
وفي المنحى نفسه، حمل السياسي الليبي ورئيس المجلس المحلي لمنطقة طبرق سابقا، فرج ياسين، الدول الغربية المسؤولية عما وصلت إليه ليبيا الآن، معتبرا أن تدخلاتهم سارت في اتجاه الإبقاء على التيارات المتطرفة رغم أن الشعب الليبي لفظها، كما اتضح في نتائج انتخابات البرلمان 2014 التي خسرت فيها هذه التيارات.
ودعا ياسين، في حديثه إلى "سكاي نيوز عربية"، الأمم المتحدة والدول الغريبة، إذا أرادت التعاطي بجدية مع الوضع، إلى "العمل على هذا الملف وطرد المجموعات المؤدلجة التي تتبع تنظيم الإخوان الإرهابي"، متعجبا مما وصفه بـ"ازدواجية المعايير"، ففي الوقت الذي يقف فيه الغرب بحزم ضد التيارات المتطرفة في دول أخرى، "يغمض عينيه عنها في ليبيا".
يرى ياسين أن حل أزمة ليبيا ما زال بعيدا، مبررا ذلك بأن "التشخيص منذ البداية كان خاطئا لأن الأزمة جرى التعامل معها على أنها سياسية، وهي في الأساس أزمة أمنية، وكان يجب قبل الحديث عن المسار السياسي والانتخابات نزع سلاح الميليشيات كأساس للحل".