مع مضي نحو شهر كامل على الحرب الروسية الأوكرانية، يبدو واضحا أن تبعاتها وتداعياتها السلبية لا تقتصر على الفضاء الأوروبي فقط، بل باتت تطال مختلف بؤر التوتر وخطوط التماس التقليدية بين القوى الدولية الكبرى، كما هو الحال في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وفي هذا السياق، تتصاعد نذر أزمة حادة بين روسيا واليابان، حيث احتجت الأخيرة بشدة، الثلاثاء، على انسحاب روسيا من المحادثات الثنائية الرامية لتوقيع معاهدة سلام لم يبرمها البلدان منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، بسبب خلاف حدودي بينهما، في قرار عزته موسكو لموقف طوكيو "غير الودي" حول الحرب في أوكرانيا.
ويرى مراقبون أن وقف مباحثات السلام هو نذير مقلق، قد يقود لمفاقمة التوتر بين الجارين اللدودين.
وتعليقا على التوتر الروسي الياباني المتصاعد، والذي يعكس خطر اتساع نطاق مفاعيل الأزمة الأوكرانية عالميا، يقول مهند العزاوي، رئيس مركز صقر للدراسات، في حوار مع "سكاي نيوز عربية": "العلاقات متوترة لأبعد حد بين البلدين، لدرجة توقف محادثات إبرام معاهدة السلام بين موسكو وطوكيو، على إثر فرض اليابان لعقوبات على روسيا بسبب حرب أوكرانيا.. العلاقات توترت من جديد رغم أنه كان هناك نوع من التطبيع والتوافق خلال السنوات الماضية حول القضايا الخلافية، وخاصة الجزر المتنازع عليها بين البلدين".
لكن التموضع الياباني الواضح في الجبهة الأميركية خلال الأزمة الأوكرانية، حسب العزاوي: "ألقى بظلال سلبية وقاتمة على واقع العلاقات اليابانية الروسية المضطربة تاريخيا، لدرجة أن ما شيد من بنى تحتية تفاوضية بين موسكو وطوكيو بات عرضة للانهيار الآن، والسبب الرئيس والمباشر لذلك هو الموقف الياباني من الحرب في أوكرانيا وانضمام طوكيو للعقوبات المفروضة على روسيا".
وعن خطر انزلاق الأوضاع نحو تصادم عسكري خاصة في الجزر محل الخلاف بين البلدين، يقول الخبير الاستراتيجي: "اليابان ليست مطلقا في موقع يسمح لها بالاحتكاك مع روسيا، نظرا لجملة عوامل منها اختلال ميزان القوى العسكري الفادح بين البلدين لصالح روسيا بالطبع، فضلا عن مشاكلها وخلافاتها التقليدية المزمنة مع كل من كوريا الشمالية والصين. وفي الحقيقة، هذه بيئة صراع وخصوم نوويين، وبالتالي فمن الصعب جدا إن لم يكن من المستحيل أن تفكر في التورط بالاحتكاك العسكري مع الدب الروسي، كونها دولة حبيسة بين المعسكرين الغربي الأطلسي، والشرقي ممثلا في بكين وموسكو وبيونغيانغ".
من جهته، يقول الكاتب والباحث السياسي، طارق سارممي، في لقاء مع "ساي نيوز عربية": "رويدا رويدا تتكشف التداعيات الكارثية على السلام والاستقرار الدوليين للأزمة الأوكرانية، ومؤشرات المواجهة الروسية اليابانية خير مثال، فنحن حيال إيقاظ لحساسيات وحزازات لا زالت متقدة تحت الرماد، وتبحث عن فرصة للاشتعال مجددا، كما هو حال قضية جزر الكوريل المتنازع عليها بين موسكو وطوكيو".
ويضيف: "الأزمة الأوكرانية باتت تهدد مع الأسف بفتح ملفات مطوية منذ زمن الحربين العالميتين، وهي ملفات ملغومة أشبه بأعشاش دبابير، ولهذا ينبغي التعامل بحذر من قبل كافة الأطراف المعنية وعدم الإيغال في مواقف حادة ومتغطرسة".
ولطالما كانت العلاقات بين اليابان وروسيا معقدة، ولم يوقع البلدان على معاهدة سلام بعد الحرب العالمية الثانية بسبب خلاف حول 4 جزر صغيرة تكون أرخبيل الكوريل.
وسيطر الجيش السوفياتي على تلك الجزر في الأيام الأخيرة من الحرب ولم تتم إعادتها منذ ذلك الحين إلى طوكيو التي تسميها "الأقاليم الشمالية".
ولم تنجح المفاوضات بين البلدين منذ تفكك الاتحاد السوفياتي. وانضمت اليابان إلى الدول الغربية في فرض عقوبات اقتصادية صارمة على موسكو بسبب عمليتها العسكرية في أوكرانيا، التي بدأت في 24 فبراير الماضي.