أثار إحداث الجزائر، لبكالوريا فنية، جدلا كبيراً بين أوساط المختصين وجمعيات أولياء الطلاب، وسط تساؤلات حول جدوى هذا القرار الذي يرتقب أن يدخل حيز التنفيذ بداية من الموسم الدراسي القادم.

وقوبلت هذه الخطوة بإشادة البعض، لأنها تعزز دور الثقافة في المجتمع، وتساعد على صقل المواهب الفنية، كما تنص بنود الاتفاقية التي تم تم توقيعها بين وزارتي التربية والثقافة والفنون.

ويرى آخرون أن هذا القرار جاء بنكهة سياسية وليس أكثر أكاديمية، نظرا لصعوبة تجسيده على أرض الواقع مقارنة بالمشاكل الكبيرة التي يعاني منها قطاع التربية، بالإضافة إلى قلة عدد المعاهد الجامعية المتخصصة في المجال الفني.

ولا يزال القرار يواجه النظرة القاصرة في المجتمع للفن، حيث يُنظر للطلبة الذين يدرسون في المعاهد الفنية بأهمية أقل مقارنة بالطلبة الذين يتلقون تحصيلهم العلمي في الكليات العلمية والإنسانية.

وقد جاء التوقيع على الاتفاقية، تجسيدا لقرار الرئيس عبد المجيد تبون، الذي دعا إلى ضرورة تعزيز دور الثقافة والفنون في المجتمع عبر استحداث بكالوريا خاصة بالفنون، تكون موجهة للراغبين في اقتحام مجال السمعي البصري والمسرح والسينما والموسيقى وغيرها من الفنون.

المصالحة الكبرى مع الفنون

ويؤكد الرئيس السابق للمجلس الوطني للآداب والفنون، محمد ساري، أن هذه الخطوة يجب أن تثمن بعيدا عن الجدال السياسي، وذلك بالنظر لأهميتها في تطوير مجال الفن في الجزائر، وقدرتها على تشجيع التلاميذ الموهبين من خلال دعهم أكاديميا.

وقال ساري لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن الفكرة تعود إلى سنوات ماضية، وهي امتداد لجهود اللجان السابقة التي عملت على تطوير الدروس التي يطلق عليها أكاديميا بمواد الإيقاظ، والتي تشمل الموسيقى والرسم والمسرح والرقص المعاصر.

وقد عرفت المنظومة التربوية في الجزائر، سياسية تعميم هذه المواد على جميع الأطوار، ومنها مواد لم تكن إجبارية على جميع التلاميذ، وذلك من أجل زيادة حظوظ المواهب الشابة في الحصول على تعليم شامل.

وأشار ساري إلى أن هذه البكالوريا من شأنها أيضا أن تغير الاعتقاد السائد لدى بعض أولياء التلاميذ والذين ينظرون إلى المجال الفني بأنه أمر ثانوي ولا يضمن مستقبل أبنائهم.

وقال ساري "لعقود من الزمن ظل المجتمع ينظر إلى التلاميذ الذين يتوجهون إلى الدراسة في كلية الفنون الجميلة أو معاهد الموسيقى على أنهم تلاميذ فاشلون في دراستهم".

القطاع بحاجة لمراجعة شاملة

من جهة ثانية، يرى رئيس الجمعية الوطنية لاولياء التلاميذ، عز الدين زروقي، أن المؤسسات التعليمية بشكل عام بحاجة إلى مراجعة شاملة، حتى يستطيع التلاميذ مواكبة التحولات الجديدة التي تشهدها الجامعات العالمية.

وقال زروقي لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن مسألة استحداث بكالوريا للفنون أمر إيجابي، لكن يحتاج إلى دراسة أعمق، مشددا على ضرورة عدم الإسراع في اتخاذ القرارات السياسية في المسائل التي تتعلق بمستقبل الأجيال.

ويوجد إجماع لدى منظمات وجميعات أولياء التلاميذ في الجزائر على أهمية منح التلاميذ فرصة لصقل مواهبهم الفنية،من خلال منحهم جرعة من الثقافة والموسيقى في المدارس بشكل مستمر.

ويرى الناشط الجزائري في الهيئات المدنية أن التلاميذ بحاجة لمرافقة فنية من السنة الأولى في سلك الابتدائي وحتى المستوى الثانوي، من خلال زيادة حصص الفنون وتوفير قاعات الموسيقى والمسارح المدارس، وليس لبكالوريا فنية.


مشكل وظائف

وينظر المختصون لإحداث هذه الشهادة بنوع من الحذر، في ظل قلة عدد المعاهد والكليات المتخصصة في مجال الفنون بالجزائر .

ويصف الباحث والأكاديمي اليامين بن تومي، الخطوة بالارتجالية رغم أهميتها.

وقال بن تومي لموقع "سكاي نيوز عربية"، "لم نسمع عن اجتماع سابق للمتخصصين الذين يحددوا سمات وخصائص هذه البكالوريا".

وأشار الأستاذ بجامعة سطيف إلى ضرورة إفراغ العملية من أية ممارسة سياسية لأن الأمر بتعلق أساسا بمستقبل الأجيال حتى نتفادى خطر تضارب القوانين و تتفيه التخصص.

وأشار إلى أن الطلبة المتخرجين من المعاهد الفنية، يواجهون مجموعة من الصعوبات بعد تخرجهم لعدم وجود تشريع قانوني يهتم بعلاقة التخصص بعالم الشغل والوظيف العمومي.

أخبار ذات صلة

الجزائر.. لماذا يعود الوزراء إلى مقاعد الدراسة الجامعية؟

وقال بن تومي "أتصور أن الأمر يحتاج لمراجعة القوانين والتشريعات قبل أي إعلان لمثل هذه الأنواع من البكالوريا، سواء كانت فنية أو حرفية، هذا الإعلان أعزل ووحيد يحتاج وضعه ضمن سياق عام يتعلق بوضع البكالوريا ككل وليس بإطلاق تخصص شارد ووحيد".

ولمدة عشر سنوات كاملة، لم يتوقف طلبة المعهد العالي للموسيقى، والمعهد العالي لمهن فنون العرض والسمعي البصري، عن المطالبة بضرورة اعتراف الوظيفة الحكومية بالشهادة الممنوح لهم.

وقد دخل الطلبة عدة مرات في إضرابات مفتوحة عن الطعام، بسبب المشاكل التي يواجهونها خلال الدراسة.

أخبار ذات صلة

مستقبل غامض لـ"طلبة أوكرانيا".. الأصوات تتعالى في الجزائر

و يشتكي طلبة المعاهد الفنية من ظروف التعليم وغياب الأساتذة الأكفاء، والمشاكل اليومية من إيواء وإطعام، وصولا إلى المشكلة الكبرى التي تتعلق بطبيعة الشهادة التي يحصلون عليها والتي يتم المصادقة عليها من قبل وزارة الثقافة بدلا من وزارة التعليم العالي، وهو ما يجعل الوظيفة الحكومية لا تعترف بها، وبالتالي حرمان خرجي المعاهد الفنية من فرصة الدخول إلى عالم الشغل.