فجر رئيس حركة النهضة بتونس راشد الغنوشي عاصفة من الغضب والانتقادات في الأوساط السياسية والأمنية، وذلك عندما وصف أعوان الأمن والجيش في تونس بالطواغيت، وذلك في أعقاب تأبينه أحد القيادات الإخوانية خلال موكب الجنازة بداية الأسبوع الجاري.

وظهر راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان المجمدة أعماله، وهو يعدد مناقب تأبين القيادي الإخواني فرحات العبار، قائلا إنه "كان لا يخشى حاكما ولا طاغوتا"، ليفرز ذلك التصريح سيلا من التفاعلات على منصات التواصل الاجتماعي وموجة غضب شعبية عارمة طالب خلالها نشطاء على الأنترنت بمحاكمة الغنوشي بتهمة المس من الأمن والجيش التونسيين والتحريض على التعدي عليهم.

وفيما تحدثت مصادر إعلامية مختلفة بأن النقابات الأمنية تعتزم مقاضاة رئيس حركة النهضة بسبب لفظ "الطاغوت" الذي عادة ما يستعمله الإرهابيون للحديث عن قوات الأمن والجيش في تونس، تتالت التفاعلات على مواقع التواصل الاجتماعي مستنكرة تصريحات الغنوشي حتى وإن لم تكن في سياق رسمي.

أخبار ذات صلة

إماطة اللثام عن تفاصيل جديدة بشأن أخطبوط "الإخوان" بتونس
جلسة وهمية افتراضية للغنوشي.. هل تكون رقصة الديك المذبوح؟
حشد إخوان تونس لأنصارها 14 يناير.. محاولة يائسة نحو الفوضى
"جرائم انتخابية".. إحالة الغنوشي وشخصيات سياسية للمحاكمة
تونس.. الكشف عن جهاز سري مالي يقوده الغنوشي ومساعدوه

عودة الإخوان إلى الأصل

واعتبر كثيرون أن وصف الغنوشي للأمن والجيش في تونس بالطاغوت لم يكن زلة لسان، وإنما كشف عن الفكر الإخواني والنزعة الإرهابية لزعيم حركة النهضة والذي كان أول من استقبل في مكتبه قيادات إرهابية تورطت فيما بعد في الاغتيالات السياسية، وكانت شريكا في اغتيال السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي في سنة 2013.

 وتعليقا على الجدل الذي أثاره تصريح الغنوشي، قال الصحفي والمحلل السياسي محمد بوعود إن "مصطلح الطاغوت في حد ذاته يرمز إلى القوات الحاملة للسلاح وللزي النظامي أي إلى الأمنيين والعسكريين، وهي تستعمل أساسا في التنظيمات الإسلامية، لكن العودة إلى استعمال هذه العبارة من قبل راشد الغنوشي ليست خطأ غير مقصود أو لفظا عفويا في التعبير بقدر ما هي إضمار لما في الداخل."

وقال بوعود في تصريح لسكاي نيوز عربية: "بالأمس عندما كان في السلطة، يعتبر الغنوشي هؤلاء الأمنيين أو من يسميهم الطاغوت جنده وأدواته، واليوم حين أصبح خارجها عاد إلى الأصل وإلى المكانة التي تربى على أدبياتها وهي التي لا تعترف بالدولة ولا بالأمن ولا بالجيش بل تعتبرهم أعداء."

وتابع بوعود: "اختيار الغنوشي مصطلحاته ومفرداته ليس اعتباطيا وإنما هو مدروس، وهو وإن اختار هذا التوقيت بالذات فذلك يندرج في إطار التحشيد العام ضد الأمن والجيش ردا على قرار الرئيس قيس سعيد بتجميد قيادات النهضة في البرلمان والحكومة وتحييد هذه الحركة عن السلطة، كما أنه نوع من التباكي والظهور في دور الضحية، من الواضح ان كلام الغنوشي هو أيضا رسالة إلى الأمن مفادها أنه خصم الإخوان الأول."

 ولا يبدو كلام الغنوشي مثيرا للاستغراب بحسب رأي الناشط السياسي زهير حمدي الذي يعتبر أن "ذلك التصريح هو الأصل بالنسبة إلى الإخوان، فحركة النهضة مهما حاولت أن تتمدن وأن تتلون فالطبع يغلب التطبع."

وقال حمدي لسكاي نيوز عربية: "كلما سنحت الفرصة عاد النهضويون إلى أصولهم وكشفوا عن وجههم القبيح، وسواء إن كان راشد الغنوشي يقصد بكلامه قيس سعيد أو الأمن فهو بالنهاية يقصد رموز الدولة الوطنية والسلطة بشكل عام والتي لا يعترف بها الغنوشي والإخوان بشكل عام."

أخبار ذات صلة

تونس تطوي صفحة الإخوان في 2021
بعد تصريحات سعيّد.. مطالب بكشف هوية مخططي الاغتيالات في تونس
بعد حكم سجن المرزوقي.. إخوان تونس يضعون أيديهم على قلوبهم
لتفادي محاسبة القضاء.. "خطط إخوانية" لهروب جماعي من تونس
قياديون بتونس يتهمون الغنوشي بالعجز عن إدارة المرحلة الحالية

ويستعمل الإخوان والإرهابيون عادة عبارة "الطاغوت" عندما يتحدثون عن السلطة بشكل عام أو الأمن والجيش كما يلجؤون للألفاظ التكفيرية عندما يريدون استهداف القوات الأمنية والعسكرية ورموز الدولة.

من جهته، اعتبر الناشط الحقوقي عماد بن حليمة في تصريح لسكاي نيوز عربية أن "راشد الغنوشي غير خطته في استهداف الدولة، وبعد أن كان يدفع ببعض السياسيين إلى الواجهة نزل الآن بنفسه ليهاجم الأمن والجيش وغايته هي استهداف الرئيس قيس سعيد."

وأضاف أن "رئيس الحركة الإخوانية يتبع منهجا مدروسا، فقبل أيام وصف الرئيس التونسي بأنه شيعي واليوم يتحدث بمفردات تكفيرية خالصة، المعروف عن راشد الغنوشي أنه نرجسي وهو لا يتورع عن إحراق الأرض من أجل مصالحه الشخصية الضيقة، فقد بدأ بإشعال فتيل الاختلافات الدينية ثم مر إلى استهداف الأمن والجيش."

ويرى عماد بن حليمة أن استعمال مفردة الطاغوت هي تكفير للرئيس قيس سعيد وللقوات الحاملة للسلاح ودعوة مباشرة للاعتداء عليهم واستهداف حياة رئيس الدولة، مضيفا قوله: "قانونيا هذه التصريحات من شأنها أن تجر الغنوشي إلى المحاكمة، فوصف رئيس الجمهورية بالطاغوت يندرج ضمن قانون مكافحة الإرهاب، الأمر واضح وأنتظر أن يتحرك القضاء العسكري لمحاكمة الغنوشي."

عقلية إرهابية

وأثارت كلمات زعيم الحركة الاسلامية موجة من الاستنكار على منصات التواصل إذ اعتبر الكثيرون أن استخدام الغنوشي للفظ طاغوت، هو عودة لأصوله المتطرفة، لما تحمله اللفظة من ايحاء إرهابي، كما أنها تضمر تحريضا على الأمنيين والجيش.

وتداول مدونون على فيسبوك أن "راشد الغنوشي فضح نفسه بنفسه وأخرج الجانب الداعشي من داخله، عودة مصطلح الطاغوت في خطاب الغنوشي يمثل دعوة لاستهداف الدولة في أمنها وجيشها، لم تكن عباراته زلة لسان وإنما عقلية راسخة ومتجذرة."

بدورها أكدت سلوى الشرفي، الأستاذة الجامعية المتخصصة في الإعلام والاتصال، على صفحتها الرسمية بموقع فيسبوك أن وصف الغنوشي للسلطة والأمن بـ"الطواغيت"، يحيل إلى أنه "حين يشتد الخناق على الإخوان فإنهم يعودون إلى لغتهم التي تدل على فكرهم الإرهابي الحقيقي."

يذكر أن السلطات القضائية التونسية بدأت التحقيقات ضد قيادات إخوانية في حركة النهضة بتهم تتعلق بغسيل الأموال والتجسس والتآمر على أمن الدولة بعد شكاوى رفعتها هيئة الدفاع في قضيتي اغتيال المعارضين السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.