تسع سنوات مرت ثقيلة على المشهد السياسي التونسي منذ اغتيال المناضل شكري بلعيد رميا بالرصاص أمام منزله، تبعته جريمة اغتيال أخرى بشعة بنفس الأسلوب طالت المناضل القومي محمد البراهمي.
حدث ذلك في فترة تغوّل "جماعة الإخوان" التي ظن آنذاك زعيمها راشد الغنوشي أن الدنيا قد دانت له ليصحو الشعب التونسي على حقيقة تلك الجماعة التي خُدعوا ذات يوم حين صوتت شرائح عديدة لصالحها في انتخابات 2011.
سنوات تسع، وبنات شكري بلعيد يكبرن وتكبر معهن الحيرة التي يشاركهن فيها المجتمع التونسي بشأن معرفة الحقيقة: من أمر ومن خطط ومن نفذ؟
ودعت جمعيات ومنظمات وأحزاب تونسية إلى التظاهر، الأحد السادس من الشهر الجاري، الذي يصادف الذكرى التاسعة لاغتيال الأمين العام لـ"حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد" شكرى بلعيد.
وفي اتصال مع إيمان قزارة، عضو هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد محمد البراهمي، صرحت لموقع "سكاي نيوز عربية"، مساء السبت، بأن الهيئة ستعلن الأسبوع المقبل، في ندوة صحفية، عن عديد التطورات التي تتعلق بملف الاغتيالات السياسية، إلا أنها تحفظت، لدى استفسارنا عن حيثيات هذه التطورات، عن ذكر التفاصيل قبل الندوة الصحفية المقررة في الخصوص.
واعتبر حزب التيار الشعبي، في بيان بالمناسبة، أنّ ما وصلت إليه تونس بعد عقد من حكم "جماعة الإخوان وعصابات الفساد والعمالة" ليس "محض صدفة أو نتيجة تقصير، وإنما نتيجة سياسات ممنهجة لتصفية الدولة الوطنية وإنهاك شعبها وإذلاله وتبديد مقدّراته لفرض هؤلاء لمشروعهم الرجعي خدمةً لمشغّليهم في الخارج ووكلائهم في الداخل".
والملاحظ أن المسار القضائي تعثر طيلة السنوات الماضية، في كشف حقيقة الاغتيال، بسبب ما اعتبرته هيئة الدفاع "تدخلاتٍ من قبل عدة أطراف سياسية عملت على تحريف المسار حماية للجناة على مدى هذه السنوات ووظفت عديد الأجهزة الموازية التي عمّقت العمل على طمس الحقيقة".
لقد شهدت تونس منذ وصول حركة النهضة الإخوانية إلى الحكم عقب أحداث 2011، موجة من العمليات الإرهابية والاغتيالات السياسية لم تعهدها من قبل، وكان الشهيدان بلعيد والبراهمي من بين الذين ارتفعت أصواتهم تحت قبة البرلمان وفي الشارع التونسي في حملة قوية ضد تغول جماعة "الإخوان" وخطرهم على الدولة المدنية الحداثية..
في تلك الفترة التي شهدت عمليات الاغتيال، كانت حركة "النهضة" مهيمنة على وزارة العدل (2013-2014) إلى جانب وزارة الداخلية، حيث قام آنذاك وزير العدل، نورالدين البحيري، بعزل 82 قاضيا ومكّن آخرين موالين للحركة، وهي إجراءات استفزت عديد المنظمات الحقوقية في تونس والخارج، ووصفت منظمة "هيومن رايتس ووتش" لحقوق الإنسان، العزل بـ"غير العادل والتعسفي" ويشكل سابقة خطيرة تهدد استقلال القضاء.
وأمام تراكم الملفات لدى القضاء والتستر على العديد منها لحماية الفاسدين أو إنقاذ بعض القوى السياسية المتورطة في الإرهاب والفساد وتسفير الشباب للقتال خارج البلاد، تولى الرئيس التونسي قيس سعيد بنفسه معركة تطهير الجهاز القضائي، مؤكدا في أكثر من مناسبة، أنه "لا يمكن إحداث أي تغيير حقيقي في تونس دون إصلاح منظومة القضاء التي استُخدمت كذراع من قبل الأحزاب السياسية" وفي مقدمتها حركة النهضة.
وتحدث الرئيس سعيد بصراحة لدى استقباله وزيرة العدل ليلى جفّال، بداية نوفمبر الماضي،
عن تجاوزات بعض القضاة قائلا:" إن أحد القضاة تورط في إخفاء وثائق هامة تتعلق بالعديد من الملفات القضائية من بينها ملفات الاغتيال السياسي.
وكانت السلطات الأمنية التونسية قد وضعت في 29 يوليو الماضي، القاضي ووكيل الجمهورية السابق المحسوب على حركة "النهضة" بشير العكرمي، قيد الإقامة الجبرية، بعد اتهامه بالتستر على ملفات متعلقة بالإرهاب وتعطيل 6268 ملفا، إلى جانب ارتكاب إخلالات قانونية في ملف الاغتيالات السياسية.